كيف تقرأ يوم الوطن؟

إن أي قراءة لهذا اليوم الخالد في تاريخ وطننا العظيم لا تُترجم إلى فعْل رشيد، يتحقق من ورائه نفْعٌ يعم بأثره الإيجابي - لو مثقال ذرة - كل ما يحيط بك، فاعلم أنك تجدف في دوائر العبث ولهو الحديث! وأن عظمة هذا الوطن، الذي ترى من حوله أمما ودولا ومجتمعات تتقلب في مهاوي الفتن والحروب والقتال، اعلم أنه لم يكن ليصل إليك بنعمة من الله وهاب النعم، لولا "فعْل" بُذل من رجال ونساء سبقونا بالإيمان، قاد جهادهم العظيم القائد المؤسس - طيب الله ثراه، ورضي الله عنهم أجمعين - لقاء ما ضحوا به لأجل من أتى بعدهم من أبناء وأحفاد إلى يومنا هذا.
إنها الأفعال والأعمال التي صنعتْ المعجزات، لا الأقوال بغض النظر عن قوالبها "قصائد، مقالات، تصريحات... إلخ"، أؤكد أنها الأفعال فقط التي ستحافظ على استمرار تحقق وتقدم المنجزات، وهي سر تفوق أمم على أمم أخرى. تترجم ما سكنَ في داخلك من هذا الكيان حسبما تحملتْ من أمانته إلى عمل صالح ومخلص لوجه الخالق، إنْ كنت أميرا أو وزيرا أو مسؤولا أو تاجرا أو موظفا أو طالبا أو كائنا من كنت في أي موقع أنت به مكلف، أنجزْ العمل المناط بك على أكمل وجه بما لديك من إمكانات، ولا تقارن أداءك بمن جاء أدنى منك، بل انظر بعين الطموح لمن تفوق عليك! فالنظرة الأولى فاز بها ونام عليها الكسالى من البشر، فيما نهض بالأخرى أولي الهمم الذين لا يقف طموحهم عند حد.
يؤسس الطموح نحو تحقيق مزيد من الإنجاز، وأنْ تسبقه رؤية واضحة واسعة للمستقبل، تكتمل بذلك معادلة النجاح والتفوق. تبني منظومة كهذه المنظومة شخصيات فاعلة، تجدها تتسلح بالشجاعة الكافية لتشخيص دقيق للواقع، ومن ثم تعترف بالأخطاء لتعمل على إصلاحها، وسد النوافذ التي تسربت منها تلك الأخطاء وأوجه القصور. كما أنها لا تعترف بالوقوف فرحة واهمة عند حدود ما تم إنجازه، بل تجد مثل تلك الشخصيات تسعى في دأب لا يطفئ حماسه إلا تحقيق ما هو أفضل وأعلى درجات. هذه باختصار شديد؛ المعادلة المثلى التي تتحكم في الإطار الفكري لأي شخصية ناجحة، تجاهد ساعية نحو الأعلى والأفضل والأكفأ.
لم ولن يثني مثل تلك الشخصيات الفاعلة، التي تترجم إيمانها وأفكارها إلى أفعال، أي تصفيق أو مدْح سطحي ساذج يصدر عن أحدهم، ولا أي نقد قد يكون جارحا يصدر عن آخر! ذلك أن الشخصية الفاعلة، تتوافر لديها الرؤية الشاملة، والمنهجية الدقيقة والواضحة لتحويل تلك الرؤى إلى منجزات على أرض الواقع، وتتوافر لديها أدوات المراجعة والتقييم والرقابة، التي لا تقل أهمية عن كل ما سبق، ما يؤهلها عن جدارة للعمل المستمر، والسعي الحثيث الذي لا يعرف الكلل أو الملل نحو تحقيق الأفضل دائما.
إذا رأيتَ أحدهم سواء من الوزراء أو المسؤولين أو حتى الأفراد، يتحدث بلغة الإنجاز التي قد لا يراها إلا هو، ويؤكد أن ما قام به لم يسبق لأحد من العالمين أنْ قام به، فاعلم أنك تقف أمام عنوان صريح للإفلاس من كل شيء، إلا الغرور والأنانية وموت الطموح! وهي أيضا النتيجة نفسها المخيبة التي ستصل إليها، إذا اصطدمتَ بمن يصطنع مبررات لا يقبلها عقلٌ ولا منطق لتقصيره وفشله. النتيجة الأهم من كل ذلك؛ أن عليك ألا تنتظر من أي من تلكما الشخصيتين إنجازا يُذكر، فالأول يعتقد أنه بلغ منتهى الإنجاز فيما قد لا يكون أنجز واحدا في المائة من المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، والآخر أصبح خبيرا لا يُشق له غبار في ابتكار مبررات لا حصر لها لتبرير أي فشل يقع فيه نتيجة تقصيره. لا مجال أمام كل من تلك الآفات من شخصيات البشر إلا أنْ تعزلها، وتخلي سبيلها عاجلا غير آجل، وأن أي تأخير في اتخاذ مثل القرار الإصلاحي؛ يعني في حقيقته قبولك بتحمل مزيد من الفشل والتأخر والتقصير وانعدام الطموح، بل إن الأخطر من كل ما تقدم والطامة الكبرى، أن استمرار مثل هذه الفئات المفلسة من القيادات، من شأنه أنْ يتسبب في طرْد الكفاءات المنتجة من مواقعها، وأنْ يستقطب لمواقع القيادة والمسؤولية مزيدا من الكائنات البشرية المفلسة، وهنا ستتسع دائرة الفشل وتتعمق جذورها بصورة أكثر خطورة، وقد يتجاوز مجهود محاصرتها، ومحاولة إيقافها حدود أي إمكانات أو قدرات أو تكاليف مادية متوافرة! وهنا تكتمل الورطة التنموية، والمأزق الحضاري الذي لم يكن أحد منا يتوقعه أو حتى يتخيله في أسوأ الأحوال!
لم تُضف كلمات المديح والإطراء أي قيمة مضافة لأي فشل، ولم تُنقص أي كلمات انتقاد أو قدْح من قيمة أي منجز حقيقي، إنما تقوم الحضارات ومنجزاتها بوجود رؤى واضحة المعالم للمستقبل، يحققها عمل دؤوب لا يكل أصحابه ولا يعرف الملل إليهم طريقا، ويحميها مراجعة ومراقبة ومحاسبة لأي تقصير قد يطرأ لأي سبب كان. تلك هي معادلة تأسيس وبناء الحضارات، التي سنها الله لأي أمة أرادت أن ترسخ لأقدامها أثرا في التاريخ البشري، ولا يعدو أي جهد يتم بذله مهما بلغت ضوضاؤه خارج تلك المقومات العامة سوى عبث وهدر للأموال والمقدرات، ولن يقود إلا إلى مزيد من التراجع والتأخر.
الخطاب لنا جميعا، كلٌ حسب الموقع الذي سخره رب العباد فيه؛ لنستجمع قوانا وأحلامنا وإمكاناتنا للمضي قدما نحو غايات النهضة والبناء، ونحو تحقيق الأفضل والأكفأ لجيلنا الراهن وللأجيال القادمة من بعدنا، لا ينقص كل ما تقدم ذكره من اشتراطات بناء الحضارة والتقدم لبلادنا، إلا الإرادة! ولا غير الإرادة. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي