مسؤولية علمائنا كبيرة .. إزاء مكافحة الإرهاب

ما زالت الكلمة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في الأسبوع الماضي وناشد فيها الأمتين العربية والإسلامية بضرورة التصدي للإرهاب الجديد، ما زالت هذه الكلمة البليغة يتردد صداها في كل أنحاء العالم.
لقد قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إن الإرهابيين يظنون أنه اشتد عودهم وقويت شوكتهم ولكنهم واهمون، والدين براء من أفعال الخونة الإرهابيين.
وقال إن ما يحصل في فلسطين جرائم حرب ضد الإنسانية، وإننا منذ عشر سنوات دعونا لإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب لكن المجتمع الدولي لم يبادر بتفعيل المشروع الذي طرحناه حتى أصبح للإرهاب أشكال مختلفة وأخطرها إرهاب الدول.
وقال جلالته لافض فوه: إن من المعيب والعار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين فيقتلون النفس التي حرم الله قتلها، ويمثلون بها، ويتباهون بنشرها، كل ذلك باسم الدين، والدين منهم براء، فشوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وألصقوا به كل أنواع الصفات السيئة بأفعالهم، وطغيانهم، وإجرامهم، فأصبح كل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظن أن ما يصدر من هؤلاء الخونة يعبر عن رسالة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
لقد ناشد خادم الحرمين الشريفين قادة وعلماء العالم من مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية وقال إنه يدعوهم لأداء واجبهم تجاه الحق جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف، والكراهية، والإرهاب، وأن يقولوا كلمة الحق، وألا يخشوا في الحق لومة لائم، فأمتنا تمر اليوم بمرحلة تاريخية حرجة، وسيكون التاريخ شاهداً على من كانوا الأداة التي استغلها الأعداء لتفريق وتمزيق الأمة، وتشويه صورة الإسلام النقية.
وفي كلمته البليغة تحدث جلالته إلى المجتمع الدولي فقال: نرى دماء أشقائنا في فلسطين تسفك في مجازر جماعية، لم تستثن أحداً، وجرائم حرب ضد الإنسانية دون وازع إنساني أو أخلاقي، حتى أصبح للإرهاب أشكال مختلفة، سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول وهي الأخطر بإمكاناتها ونواياها ومكائدها، كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، هذا المجتمع الذي لزم الصمت مراقباً ما يحدث في المنطقة بأسرها، غير مكترث بما يجري، وكأن ما يحدث أمر لا يعنيه، هذا الصمت الذي ليس له أي تبرير، غير مدركين بأن ذلك سيؤدي إلى خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضاً السلام، ومؤمناً بصراع الحضارات لا بحوارها.
وذكّر جلالته المجتمع الدولي بأنه دعا منذ عشر سنوات في مؤتمر الرياض إلى إنشاء (المركز الدولي لمكافحة الإرهاب)، وقد حظي المقترح بتأييد العالم أجمع في حينه، وذلك بهدف التنسيق الأمثل بين الدول، لكننا أصبنا بخيبة أمل بسبب عدم تفاعل المجتمع الدولي بشكل جدي مع هذه الفكرة، الأمر الذي أدى لعدم تفعيل المقترح بالشكل الذي كنا نعلق عليه آمالاً كبيرة.
واليوم نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، إنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، التي لم يسلم منها أحد.
نعم لقد أخذت المملكة العربية السعودية زمام المبادرة وأنشأت مركزا عالميا لمحاربة الإرهاب إيماناً منها بأن الإرهاب لا وطن له، وإنه سيتمدد كالسرطان ليضرب بهمجية الأمن والسلم الدوليين في كل مكان من العالم.
وبالنسبة للداخل السعودي فقد أهاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالعلماء ضرورة أن يواجهوا الإرهاب بمزيد من القوة والجسارة، ذلك أن الإرهاب المحلي بدأ ينطلق من شرذمة من الأفاكين الذين تعمموا بعمامة الإسلام واحتضنوا صبية أبرياء، وغرروا بهم، ودفعوهم إلى ممارسة القتل وسفك الدماء في عدد من البلاد العربية.
وإذا كان الإعلام يقوم بدوره في مكافحة الإرهاب، فإن المطلوب من علماء المملكة أن يقدموا إلى العالم استراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب، ولاسيما بعد أن ثبت أن بعض أدعياء العلماء يجندون في مزارعهم بعض الشباب ويلعبون بعقولهم ثم يدفعونهم إلى التهلكة في سورية والعراق واليمن وليبيا.
كم هو مؤسف أن تذهب دماء الشباب السعودي رخيصة ذليلة في حروب لا شرعية لها ولا أسباب دينية تجيزها وتحبذها، بل بالعكس إنها تخالف شرعنا الشريف وتتعارض مع مبادئ ديننا الأقوم.
وأؤكد لعلمائنا الأفاضل أن القضية بلغت مستوى الكارثة، وأن الاستمرار في اتباع المناصحة ومعسول الألفاظ لم يعد يجدي فتيلاً، فالمطلوب من همم العلماء الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، إن المطلوب من المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية أن تتحرك وتصمم استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب، وأن تعقد الورش وتتجه عملياً إلى مواجهة هذا الزحف الإرهابي الذي يتهدد الأمة، وأن ينزل العلماء إلى المزارع والمنابر والمساجد والأندية ويتوقفوا عن تحريم الأنشطة الثقافية المشروعة ويمكنوا الشباب من ممارسة كل فنون الثقافة، ويتوقفوا عن تحريمها بغير وجه حق حتى لا يقع الشباب ضحية الفراغ فتتسلل إليهم خفافيش الظلام وتضللهم وتشوه أفكارهم.
وأغتنمها فرصة لأشيد بدور رجال الأمن الذين استطاعوا في الآونة الأخيرة أن ينفذوا عدة ضربات موفقة. ولعل آخر الضربات الأمنية الموفقة - ولن تكون الأخيرة - الضربة التي نفذها رجال الأمن الأشاوس في مركز "تمير" وأطاحوا بثمانية من المحرضين على القتال وممارسة الإرهاب بمختلف أشكاله وألوانه.
وفق الله الجميع إلى أعمال الخير والبر بعيداً عن ممارسات الإرهاب والضلال والقتل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي