مصير من لم يكتتب بأسهم حقوق الأولوية

بحكم أني مهتم بآلية تداول حقوق الأولوية، حيث سبق أن طالبت بها في عام 2006 في كتاب المال والاستثمار في الأسواق المالية "المتاح مجاناً على الإنترنت"، وبما أنه تم العمل بها وقامت بالفعل شركتان حتى الآن بطرح أسهم حقوق أولوية، وتم تداولها كالأسهم العادية، سأركز هنا على جزئية مهمة جداً، وهي آلية بيع الحقوق التي لم يكتتب فيها، وأطالب "تداول" والهيئة بمزيد من الضبط والشفافية لمنع بيع الحقوق بأسعار زهيدة وإيقاع الضرر بمن لم يكتتب، لأي سبب كان.
بداية، من الواضح أن الآلية الجديدة التي تتيح لأصحاب الحقوق بيع حقوقهم في حالة عدم الرغبة في الاكتتاب ــ أو عدم مقدرتهم على ذلك ــ تؤدي إلى نتائج أفضل من الطريقة السابقة، حيث إنه بحسب دراسة لهيئة السوق المالية عام 2008، تبين من خلالها أن ما يزيد على 76 في المائة من إجمالي حملة الأسهم لا يمارسون حقهم القانوني في الاكتتاب. لا نعلم ما النسبة الحالية لمن لا يكتتب، ولكن يبدو أنها أفضل بكثير من السابق، حيث نجد أن نسبة عدد الحقوق التي لم يكتتب فيها من إجمالي أسهم الاكتتاب في اكتتاب شركة "مسك" بلغت 25 في المائة، بينما في اكتتاب شركة الأهلية بلغت 13 في المائة. لاحظ أن دراسة الهيئة تتحدث عن نسبة الملاك الذين لم يكتتبوا، بينما هنا نتحدث عن نسبة عدد الحقوق التي لم يكتتب فيها.
المشكلة الحالية أن طريقة بيع الحقوق المتبقية تحتاج إلى مراجعة من قبل الهيئة منعاً للتفريط في مصالح الأفراد، والسبب أن مدير الاكتتاب "الذي هو كذلك المستشار المالي ومتعهد التغطية" هو من "يقوم بتوجيه الدعوات للمؤسسات الاستثمارية بعد التشاور مع الشركة"، ويتم ذلك من خلال مزاد غير معلنة تفاصيله. من الخطأ أن تترك أسهم الأفراد الذين لم يكتتبوا في أيدي جهات ذات مصالح خاصة "معاكسة لمصالح الأفراد" دون رقابة من الجهة المنظمة ودون شفافية. لأهمية الخلل، أورد هنا نص التنظيم المعمول به الذي سيُمارس الأسبوع القادم مع الأسهم المتبقية لشركة الأهلية، وهو ما عُمل به كذلك في الاكتتاب السابق: "طرح الأسهم المتبقية على عدد من المستثمرين ذوي الطابع المؤسسي "المؤسسات الاستثمارية" الذين ستتم دعوتهم من قبل مدير الاكتتاب "السعودي الهولندي المالية" بعد التشاور مع الشركة..".
ما المشكلة في قيام مدير الاكتتاب بتولي عملية بيع الأسهم المتبقية؟
المشكلة أن مدير الاكتتاب هو متعهد التغطية! وكما هو معلوم، في حال عدم تغطية الاكتتاب بالكامل خلال فترتي الاكتتاب والمزاد اللاحق، فإن متعهد التغطية يقوم بالحصول على أسهم الحقوق المتبقية بسعر "صفر" ريال، ويقوم فقط بدفع عشرة ريالات للحصول على أسهم الشركة، التي يستطيع بيعها في السوق بأكثر من 20 ريالا "السعر الحالي لسهم شركة الأهلية". الذي سيحدث أنه في يومي الأحد والإثنين المقبلين سيتم بيع الأسهم المتبقية من اكتتاب شركة الأهلية، البالغ عددها قرابة ثلاثة ملايين سهم، وبما أن آخر سعر للسهم يوم الخميس الماضي كان 20.45 ريال، فإن القيمة الإرشادية للحقوق 10.45 ريال "أي سعر السهم ناقص سعر الاكتتاب"، غير أنه لعدة أسباب من الممكن أن تباع بسعر أقل من ذلك بقليل. في تجربة شركة "مسك" كان السهم يُتداول ما بين 14.30 ريال و15.60 ريال في أثناء فترتي تداول الحقوق، وقد أغلق السهم قبل مزاد بيع الأسهم المتبقية عند 14.90 ريال. وبالرغم من ذلك فقد تم بيع الحقوق بسعر 1.68 ريال، أي بفارق 3.22 ريال عن القيمة الإرشادية. بمعنى آخر، حصلت المؤسسات المالية على أسهم الحقوق بتخفيض بلغت نسبته نحو 34 في المائة عن السعر العادل، وبعد نزول الأسهم الجديدة في المحافظ كان سعر السهم نحو 13.50 ريال، بربح فوري بلغ 15.6 في المائة للمؤسسات الاستثمارية.
ما الحل لحفظ حقوق من لم يكتتب من الأفراد؟
الحل العادل لهذه الإشكالية هي أن لا يتولى متعهد التغطية عملية المزاد بسبب تضارب المصالح الواضح جداً. صحيح أنه نظرياً من الصعب ألا يكون هناك شراء لأسهم الحقوق المتبقية، التي تبلغ قيمتها العادلة بالنسبة لشركة الأهلية نحو 10.45 ريال، وبالتالي يحصل عليها متعهد الاكتتاب مجاناً، إلا أنه بغياب الدور الرقابي الصارم من الجهة المنظمة فجميع الاحتمالات واردة. هنا أنا لا أطعن في نزاهة مدير الاكتتاب وأستبعد لجوء شركة كبيرة بحجم السعودي الهولندي المالية إلى مثل هذه الأساليب، ولكن بالإمكان ــ على سبيل المثال ــ أن لا يقوم متعهد الاكتتاب بدعوة عدد كاف من المؤسسات الاستثمارية، أو أن يقوم فقط بدعوة جهات معينة، أو بغياب الأسس المهنية والأخلاقية قد تقوم المؤسسات الاستثمارية بتحديد سعر الشراء وتقاسم الأرباح فيما بينها.
لاحظ أن الطرف الثالث في هذه العملية هو الشركة نفسها، ولكن في حقيقة الأمر ما يعني الشركة هو الحصول على متحصلات الاكتتاب، البالغة عشرة ريالات لكل سهم، بغض النظر عمن يقوم بدفعها. أي أن تفاصيل المزاد وعدالته ليست بالضرورة في أعلى اهتمامات الشركة، فيبقى الأفراد الحلقة الأضعف في هذه المعادلة. الحل بالطبع هو أن تتولى شركة "تداول" عملية المزاد وأن تفتح باب المزايدة لجميع المؤسسات المالية، ليس فقط تلك المؤسسات التي توجه إليها دعوات من قبل متعهد التغطية، بل إن الأفضل السماح لمن لم يكتتبوا أن يشاركوا في المزاد، خصوصاً أن هناك من لم يستطع الاكتتاب بسبب صعوبات داخل المصارف.
هناك مآخذ أخرى لعملية الاكتتاب لا يتسع المجال للتطرق إليها بتفصيل، وهي ضرورة إتاحة القيام بالاكتتاب عن طريق جميع الوسطاء والمصارف وليس فقط عن طريق "الجهات المستلمة"، وذلك تلافياً لحدوث الصعوبات البالغة التي واجهها عدد من المكتتبين ممن لم تكن لديهم محافظ في أي من الجهات المستلمة. وزاد الطين بلة أن عملية الاكتتاب امتدت لثلاثة أيام فقط!
ختاماً، كما ذكرت في المقال السابق، إن ما قامت به شركة "تداول" في تنظيم عملية حقوق الأولوية أمر يستحق الإشادة، لكونها طريقة حديثة ومبتكرة هدفها تحقيق العدالة وحفظ حقوق أولئك الذين لا يكتتبون في أسهم حقوق الأولوية، غير أن العملية في حاجة إلى التطوير وإجراء بعض التحسينات التي من شأنها أن تحقق النجاح المأمول من تداول حقوق الأولوية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي