من تمنح الفرصة للشباب؟

تشكل الفئة الشابة تحت سن الثلاثين في المجتمع السعودي المعدل الأعلى بين بقية فئاته، حيث تستحوذ على أكثر من 60 في المائة من المجتمع، وتصل إلى نحو ثلاثة أرباع المجتمع وصولاً إلى سن الـ40 عاماً! عدا أنها الفئة الأكثر والأسرع نمواً في المستويات العمرية الدنيا منها؛ التي تزداد أعدادها سنوياً بأكثر من 514 ألف مولود! بمعنى أن تلك الفئة الفتيّة في المجتمع يزداد عددها بأكثر من مليون نسمة كل عامين!
تتوزع الشرائح السكانية تحت سن الثلاثين عاماً حسب آخر الإحصاءات بنهاية 2013 على النحو الآتي: نحو 2.55 مليون نسمة تحت سن الخمسة أعوام (21 في المائة)، أكثر من 5.0 ملايين نسمة في سلك التعليم العام (42 في المائة)، نحو 1.7 مليون نسمة في سلك التعليم العالي والفني والابتعاث (14 في المائة)، ويكمل العدد إلى سن الثلاثين عاماً ما يناهز الـ 3.0 ملايين نسمة، منهم الباحث عن عمل "عاطل"، ومنهم من بدأ حياته العملية (25 في المائة).
إنها تطورات ديموغرافية تشكل في حقيقتها أنماطاً عديدة من الفرص والتحديات على حد سواء، التي يقتضي النجاح في الاستفادة القصوى منها، والنجاة والسلامة من السقوط في تحدياتها، أؤكد يقتضي هذا الجهد الحضاري توافر أطر وسياسات وآليات على قدر رفيع من الديناميكية والحيوية، أكبر في مستواها من كل ما يبذل في الوقت الراهن من جهود مضنية، تأخذ في عين الاعتبار ضرورة توظيف تلك الموارد البشرية الهائلة في القنوات التنموية المجدية، وفي الوقت ذاته لتدرك المخاطر العالية التي قد تهدد المجتمع بأسره قبل أن تكون مهددة لتلك الموارد الأغلى في أي مجتمع كان.
إننا بحاجة ماسة إلى فتح أكبر قدر ممكن من قنوات استثمار ومشاركة هذه القوة البشرية في تنمية مقدرات الاقتصاد والمجتمع، وأن علينا إدراك العواقب الوخيمة لأي تأخير أو قصور في توفير وتهيئة تلك القنوات، إنه سينقلب رأساً على عقب؛ بأن تتحول أي من تلك الفرص الممكنة لفئة الشباب إلى ما لا يحمد عقباه لا قدر الله. لعلنا لمسنا جزءاً مريراً من تجاربها سابقاً، عدا ما شهدناه من تجارب مؤلمة جداً في المشاهد الأخرى من حولنا لدى العديد من الدول والمجتمعات، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. فماذا غذى قنوات الإرهاب والحروب والجريمة المنظمة والوقوع في براثن المخدرات والإدمان وانتشار الرذيلة والفقر وعدم الأمن والاستقرار، غير التهميش أو السحق لهذه الفئة بالدرجة الأولى من أي مجتمع؟ وفي الوقت ذاته؛ ما الذي نهض بمقدرات الأمم المتقدمة اليوم، وجعلها في قمّة التطور الحضاري العالمي، وفي قمة التأثير الاقتصادي والصناعي، غير تلك الفئة من المتجمع حينما أحسن استثمارها، وفتحت أمامها الفرص بأكبر قدر يقترب إلى الكمال؟
إنها حلقة متكاملة من التنمية المستدامة والشاملة، يفترض لكي تنجح وتؤتي ثمارها اليانعة، أن تبدأ من الصحة مروراً بالتربية والتعليم والتأهيل، وقنوات الترفيه والرياضة واستثمار أوقات الشباب في كل ما يصقل شخصيته ويقويها، وانتهاءً بتوافر فرص العمل الكريمة، التي تكفل لها القدرة الكافية على تحقيق استقرارها المعيشي والاجتماعي اللازم، وترتبط ببقية الحلقات الأخرى التي لا تقل أهمية عن السابقة، التي تتعلق بتعزيز المشاركة في تنمية الدولة والمجتمع والاقتصاد الوطني، التي من أهم أولوياتها، أن تكون مؤهلة في المستقبل لأن تتولى تطوير وتنمية الحلقة الأولى المذكورة أعلاه، لتستمر جهود ومشروعات العناية والاهتمام بالأجيال المقبلة، وفي الوقت ذاته تتولى زمام إدارة شؤون البلاد والعباد بما يدفع نحو المقدمة والتنافسية على المستوى الإقليمي والدولي. إنها حلقات تنموية مترابطة تماماً وإن تم فصلها هنا أثناء الحديث والتحليل، ولا يمكن على الإطلاق أن ينجح أي عمل منفصل يتركز على حلقة دون الأخرى! إذ إن فشل إحداها قد يطيح بكل ما تم بذله من جهود وأموال في حلقة أو حلقات أخرى، ولعل القارئ يدرك ماذا أقصد هنا؟ فما الفائدة التي يأملها أي مجتمع كان من أجيال تم الإنفاق على تعليمها وتأهيلها بصورة عالية، ثم لا تجد لها فرص عمل كريمة توفر لها شروط الحياة الكريمة والكاملة؟ وما الفائدة كذلك من اكتمال تلك الحلقة الأولى التنموية التي ترفع وعي المجتمع وأفراده وشبابه، ثم لا يجد القنوات الممكنة التي يعبّر فيها عن رأيه ومشاركته الحقيقية في تنمية مجتمعه وبلاده؟ وقس على بقية الأسئلة الأخرى التي لا حصر لها هنا.
إن أي انسداد في طريق السماح بتطور أي من تلك القنوات، وقبلها بتطور دور الفئات الشابة التي تشكل عصبها الحيوي، من شأنه أن يجلب الدمار وعدم الاستقرار لاحقاً لا قدر الله. المسألة هنا ليست انتقائية؛ تأخذ ما تشاء وتترك ما لا تشاء! وفي هذا الكثير من العبر لمن ألقى السمع وهو شهيد، بإمكانه رؤيتها ومشاهدتها حوله في العديد من المجتمعات، التي فضلت اتباع خيارات قلة من أفراد المجتمع كانت مصلحتها الضيقة هي صاحبة الاعتبار الوحيد، وكيف أنها سقطت وظلت تسقط في طريق الحضارة، حتى دخلت أنفاقاً مظلمة من التأخر والتخلف والحروب وعدم الاستقرار، انتهى بها المطاف إلى الانهيار التام، لعل شاهدها الحي في عصرنا الراهن ما حدث في منطقة أوروبا الشرقية، والتي دخلت لاحقاً في معتركات الحروب والصراعات الداخلية، أغلبها لم ينته حتى كتابة هذا المقال، على الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمن على اشتعال فتيلها. وهو أيضاً ما نشهد جزءاً مرعباً من فصوله تجري في الوقت الراهن على مستوى منطقة الشرق الأوسط "العالم العربي"، والذي يدفع ثمن إهمال وتهميش تلك الحلقات المهمّة من حياة المجتمعات المتغيرة جيلاً بعد جيل، ولا يعلم متى ستستقر بعد هذه الصراعات الدامية، كفانا الله شرها.
علينا إكمال ما تم إنجازه، ولكن بخطى أسرع وأكثر جرأة! وعلينا أن نفسح مجالاً أكبر وأرحب للشباب، وأن يتم كل ذلك وفق منهجية دقيقة ومدروسة بعيداً عن الاجتهادات القليلة الخبرة، وأن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد والأهمية، وأن لا أمر آخر يتقدم عليه. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي