حتى لا تكون كباقي الغرف

أعلنت دراسة أصدرتها أخيرا شركة ماكنزي العالمية أن 1.5 إلى 2 في المائة من الناتج المحلي، أي ما تقدر قيمته بـ 75 مليار ريال سعودي تذهب للإنفاق الخيري والاجتماعي.
وفي ظل إعلان غرفة الشرقية توجهها نحو إنشاء قسم للمسؤولية الاجتماعية للشركات، خصوصا أن الغرف الرائدة في المدن الرئيسة الأخرى قد أخذت هذا المنحى منذ سنوات مضت وتوجد لديها الآن لجان منبثقة، بل حتى مجالس للمسؤولية الاجتماعية للشركات.
وعلى الرغم من إعلان الغرفة أن هذا القسم سيبنى بشكل يضمن العمل المؤسساتي بما في ذلك بناء نظام مالي مستقل يضمن استمرار هذه الكيان من خلال عوائد مشاريعه الرئيسة. إلا أننا بعد تقييم سنين من المخرجات من الأقسام نفسها في العديد من الغرف الأخرى، لا سيما في المناطق الرئيسة، ما زالت لدينا العديد من التساؤلات والمخاوف من أن يكون هذا القسم مجرد قسم آخر يضاف للغرفة التجارية دون تحقيق أهدافه المنشودة. فيا ترى ما الجديد الذي ستقدمه هذه الغرفة وتكون نتائجه ملموسة على جميع المستويات؟
إن فكرة أي مشروع ناجح تبدأ من تحديد الغرض. وبالنظر إلى الغرض السائد اليوم بين العديد من الشركات والمؤسسات عن مساهماتها للمسؤولية الاجتماعية الذي تدعمه العديد من الغرف التجارية، فالمسؤولية الاجتماعية للشركات عند البعض هي عبارة عن أحد أشكال "رد الجميل للمجتمع". ونقف هنا مع هذا الغرض، إذ إن رد الجميل بصيغته المعمول بها حاليا بشكل تبرعات ومشاريع خيرية لا ترقى في أدائها إلى الحد الذي يمكننا من القول إنها قد ساهمت في تطوير وبناء المجتمع وساهمت بشكل فعال في معالجة أبرز قضاياه. لذا كان لزاما أن يتم تحديد الغرض والهدف بشكل دقيق. وكما أسلفنا في مقالات سابقة عن شركتي تويوتا وتاتا وكيف أن تحديد الغرض بشكل دقيق ساهم في استمرار الشركة في بيئة العمل، تحقيق أهدافها، وتجاوز العديد من المتغيرات والتحديات على مدى عقود من الزمن.
إن المجتمع الذي يقدم الكوادر البشرية، والموارد الطبيعية، ينتظر من المؤسسة أو الشركة عطاء كبيرا في الفعالية والابتكار لمعالجة أبرز قضاياه الملحة، مثل استحداث الوظائف المناسبة التي تساهم في تطوير قدرات أبنائه. وتحويل تلك الموارد الطبيعية بالاستفادة من التقنية والمعرفة المكتسبة إلى مشاريع تنموية حقيقية على أرض الواقع يستطيع أن يلمسها الجميع بوضوح.
بعد أن تتضح هذه الرؤية ونصبح قادرين على دمجها في الاستراتيجية التأسيسية فإن الخطوة المقبلة، تكون بناء المساهمات بما يتوافق مع هذه الرؤية وبما يحقق الغرض الذي أنشئت المؤسسة من أجله.
ومن خلال متابعتنا اللصيقة لجميع المبادرات والبرامج يتضح جليا غياب ثقافة قياس الأداء. وحيث إن ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته، لم تتمكن العديد من المشاريع من تحقيق أهدافها بناء على المعايير التي بنيت عليها. فالقياس هو ما سيعكس جديتنا ويحدد المفهوم وهو الوسيلة الأهم نحو التطوير من خلال التصحيح المستمر وتلافي الأخطاء السابقة وكشف الجوانب التي تحتاج إلى المزيد من الابتكار استعدادا لتنفيذها بالمشاريع المستقبلية. وأحيانا تساهم الشركة في مجالات مهمة جدا للمجتمع ولا تكون الشركة هي الشريك المناسب. فمثلا، حين تقوم شركة مقاولات بالمساهمة في إنشاء مركز لعلاج حالة طبية معينة بالشراكة مع أحد البرامج العالمية، تكون قدرتها على القياس أقل بكثير من شركة أخرى متخصصة في المجال، إلا في حالة كانت الشراكة مكونة من تحالفات بين الشركة، وشركة محلية في مجال الرعاية الصحية التي تمتلك من الخبرة في المهارات ما يمكنها من بناء معايير الأداء بشكل أفضل، والمهم قياسه استنادا إلى هذه المعايير.
وختاما، ما أردنا قوله هو إننا لا نريد الاستمرار على وتيرة الأداء الحالي نفسها، ولنضمن نظاما ماليا مستقلا يضمن استمرار هذ الكيان يجب أن نعي أن ذلك لن يكون من خلال "عوائد مشاريع" بل يجب أن يكون من تمكين الشركات للقيام بهذه المهمة. فالبرامج المتميزة والمبتكرة لن تخطط لها وتنفذها إدارة مشاريع في الغرفة بل الشركة نفسها. ما نردده هو أن الشركة إذا لم تكن مسؤوليتها الاجتماعية داعمة لنشاط الشركة الأساسي فعاجلا أم آجلا ستتخلى الشركة عن هذه البرامج ودعمها.. وبذلك لن تتحقق الاستمرارية ولن تؤخذ بالجدية داخل الشركة. كل ما نتمناه هو ألا تكون هذه المبادرة كسابقاتها مجرد رقم إضافي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي