2014 .. العام الأخير للخطة التاسعة

إن لم نتعلّم من تجارب الماضي، فمتى سنتعلم؟ علينا إدراك المخاطر الراهنة التي يحملها لنا المستقبل، بالقدر نفسه الذي نفكّر جميعاً باستثمار الفرص الراهنة ومستقبلاً، وأنّ جهوداً كهذه يؤمل أن ننجح في تحقيقها يتطلّب دون أدنى شك نهجاً مختلفاً من التفكير الاستراتيجي، ورسم السياسات والبرامج، والرؤية المستقبلية عمّا هو معمولٌ به في الوقت الراهن. هل نرى في القريب العاجل أي استجابة لهذه المطالب؟ أتمنى ذلك.
يعد هذا العام الأخير من عمر الخطّة التنموية التاسعة (2010-2014)، ويتوقع قبل نهايته أنْ تُصدر وزارة الاقتصاد والتخطيط خطّة التنمية العاشرة (2015-2019)، وقياساً على ما كُتب بالتفصيل حول أداء الأجهزة الحكومية، سواءً خلال الخطة الأخيرة أو خلال جميع خطط التنمية، وقبل أنْ يبدأ العمل بالخطّة الجديدة، أؤكد أنّه من الضرورة القصوى بمكانٍ مراجعة وبحث الأسباب كافّة التي وقفت وراء قصور أداء مختلف الأجهزة الحكومية عن تحقيق الأهداف التنموية، خاصةً في ظل تصاعد نسب التخلّف عن تحقيق الأهداف، الذي تزامن مع ارتفاع الموارد المالية المخصصة لتلك الأجهزة الحكومية.
إنّه من اللافت جداً أن قطاعات تنمية الموارد البشرية، النقل والاتصالات، تنمية الموارد الاقتصادية، الصحة والتنمية الاجتماعية، والخدمات البلدية، التي خُصص لها في المتوسط نصف الميزانيات الحكومية طوال الخطة التاسعة أكثر من 1.44 تريليون ريال، وحظيت في الموازنات السنوية التقديرية بنحو 1.6 تريليون ريال (زيادة 10.6 في المائة على تقديرات الخطّة)، فيما يُقدّر الإنفاق الفعلي عليها حتى نهاية هذا العام بأكثر من 2.0 تريليون ريال (زيادة 39.1 في المائة على تقديرات الخطّة)، أؤكد أنّه في ظل تلك الزيادة السخية من الدولة تجاه تلك القطاعات الحيوية، إلا أنّ نتائج الأداء كما بيّنت مقارناتها الأخيرة وفقاً للأرقام الرسمية في التقارير السنوية لمؤسسة النقد، مع ما كان مخططاً له، جاءت في أغلبها دون الربع في أحسن الأحوال!
يحمل كل ما تقدّم مؤشرات بالغة الأهمية على تغلغل عدد من أوجه القصور، وتواضع الأداء، وسوء الإدارة الذي قد يصل به التمادي للتورّط في بعض أشكال الفساد الإداري والمالي، يقتضي بالضرورة للمحافظة على الموارد الوطنية وصيانتها، أن تبادر الأجهزة الرقابية لدينا للقيام بأدوارها ومسؤولياتها تجاه تلك القضايا التنموية. كما قد يُرى بالنسبة لمجلس الشورى تخصيص جهود استثنائية أكبر خلال العام الجاري، من أجل البحث والدراسة المستفيضة في هذا الخصوص، للتوصّل إلى الأسباب وراء أوجه ذلك القصور، وهوية المسؤولين عن وقوعه، وللعمل مستقبلاً على عدم تكرار الوقوع فيها، حتى لو تطلّب الأمر أن يتعاقد المجلس مع مكاتب مرخصة للمراجعة والمحاسبة، يمكن لها أن تتولى بمهنية وحيادية القيام بتلك العملية الرقابية.
ليس مجدياً على الإطلاق، ولا حتى بالمقبول، أن تُغلق روتينياً أوراق الخطّة التاسعة، ونفتح في العام ذاته ملفات الخطّة العاشرة في ظل تجاهل ما لم يتحقق من الخطط السابقة، وتجاهل أن كل ذلك يسجّل هدراً مقلقاً للموارد الوطنية، وتأخّراً عن تحقيق الأهداف والمسؤوليات، يدفع ضريبته المواطن والمجتمع بصفة خاصة، ويخفّض بدوره من تحقق متطلبات التنمية المستدامة والشاملة للبلاد بصفة عامّة.
إنّنا أمام فجوة تنموية تقدّر تكلفتها بالتريليونات من الريالات، تطرّقت في مقالاتٍ سابقة إلى مخاطر أسبابها وآثارها، التي تلخّصت في ستة محاور رئيسة، هي كالتالي: (1) تأخّر أو تعطّل تنفيذ المشروعات الحكومية. (2) أدّى إلى انخفاض كفاءة وجودة الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية. (3) تفشي مظاهر الفساد والمبالغة في قيم العقود والمناقصات الحكومية. (4) تفشي مظاهر الاحتكار والتلاعب بالأسعار "كاحتكار الأراضي والعقارات، والعديد من السلع، وسيطرة مجموعات ضيقة على ملكية الأصول المنتجة". (5) ضعف الرقابة والمتابعة والمحاسبة والمسائلة على مختلف الأجهزة التنفيذية. (6) غياب الشفافية والمعلوماتية، وتأخّر مؤسسات ووسائل الإعلام عن ممارسة دورها اللازم لأي سبب كان.
إنّ مجرّد النظر والتدقيق في كل واحد من تلك المحاور لوحده يثير الكثير من القلق، فما بالنا بها وقد اجتمعت أمامنا مشكلة أكبر التحديات والمعوقات التنموية محلياً، وبتلك القيم الهائلة من الموارد الوطنية؟ بناء عليه؛ أرى أنّه من الضرورة القصوى التكاتف من قبل كافّة الأجهزة المعنية لإنقاذ مقدرات الاقتصاد الوطني منها، وأن يكون هذا الهدف الوطني المهم سابقاً على ما سواه من الأهداف الأخرى، وأن نحذر كل الحذر من استمرار دائرة تلك المخاطر الستة في الاتساع والتمدد، لتأكل في طريق اتساع مخاطرها المرعبة الأخضر واليابس.
إنَّ مخاطر تركها هكذا دون اتخاذ مواقف حازمة، سيؤدي دون أدنى شك إلى مواجهتنا لكارثة تنموية أكبر في نهاية الخطة العاشرة 2019 من أرقام الفجوة التنموية بأرقام اليوم! فهل سيكون متاحاً لنا حينئذ زمناً وموارد أن نكرر المطالبة بالبحث والتقصّي والمراجعة في أسباب تفاقم تلك الفجوة؟ أم أن الزمن سيكون قد فات، والموارد المالية قد تعجز عن تمويل الحلول وإجراءات الإنقاذ والمعالجة؟ لا مجال للتهرب من هذه المهمة الضرورية على الإطلاق، فهي دون أدنى شك المهمة الأثقل وزناً على مستوى الأهمية، التي أرجو صادقاً أن تحظى بكامل اهتمام كل من: المجلس الاقتصادي الأعلى، هيئة مكافحة الفساد، ديوان المراقبة العامّة، مجلس الشورى.
في الختام؛ إن لم نتعلّم من تجارب الماضي، فمتى سنتعلم؟ علينا إدراك المخاطر الراهنة التي يحملها لنا المستقبل، بقدر ما نفكر جميعاً في استثمار الفرص الراهنة ومستقبلاً، وأنّ جهوداً كهذه يؤمل أن ننجح في تحقيقها يتطلّب دون أدنى شك نهجاً مختلفاً من التفكير الاستراتيجي، ورسم السياسات والبرامج، والرؤية المستقبلية عمّا هو معمولٌ به في الوقت الراهن. هل نرى في القريب العاجل أي استجابة لهذه المطالب؟ أتمنى ذلك.

المزيد من الرأي