قياس كفاءة الأداء.. (1) التعليم

إنّه من المهم جداً لأجل تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد، أنْ يُنشر ويُوثّق بصورةٍ دقيقة ما تمَّ إنجازه في المجالات الحيويّة كافّة، خاصّةً تلك التي تمسُّ حياة المواطن والمجتمع على وجه التحديد. إنَّ تسليط الضوء على المتحقق من المشروعات الحكومية، سواءً المقررة في الخطط التنموية لتلك الجهات، أو في الميزانيات السنوية لها، التي ترتبطُ في الوقت ذاته بما هو مبيّنٌ في خطتها التنموية، مع الأخذ في الاعتبار ما قد يطرأ من استثناءاتٍ تقتضيها الاحتياجات التنموية؛ حدث أنَّ الخطّة التنموية لم تأخذها بعين الاعتبار حين إعدادها في فترة سابقة وبعيدة زمنياً، أو أنْ تتحسّن أوضاع المالية الحكومية بصورةٍ أكثر من ممتازة مقارنةً بما كانتْ قد قدّرته الخطّة وقتْ إعدادها، كما هو الحال في الوقت الراهن من عمر خطّة التنمية التاسعة.
أؤكد أنّ كل تلك الاعتبارات المختلفة، تدخل دون شك في عملية ''قياس'' المُنجز مقارنةً بالمخطط في (الخطة التنموية، أو الميزانية)، وذلك للتعرّف على مستوى كفاءة أداء جميع تلك الأجهزة الحكومية المعنيّة بما لديها من مسؤوليات ومشروعات. سبق أنْ تطرقتُ إلى الأهمية القصوى لقيام الأجهزة الرقابية في الجهاز الحكومي بمثل هذه الخطوة الرقابية الضرورية جداً، واستمرارها بصفةٍ دورية، لدورها المحوري في رفْع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية، وإحكام الرقابة على التصرّف بالمال العام، وتفعيلاً مسؤولاً تجاه تلبية الاحتياجات الحقيقية للمواطن والمجتمع والوطن على حدٍّ سواء، دعْ عنك ما نصّتْ عليه خطط التنمية أو إعلانات الميزانية الحكومية السنوية.
أشرتُ في مقالاتٍ سابقة إلى أهمية أنْ يضطلع إعلامنا المحلي بدوره المسؤول في هذا الجانب، وأنَّه يتحمّل جزءاً ليس بالهيّن من أمانة أداء هذه المهمّة الرقابية، وأنَّ عليه عبء المساهمة بما يحقق كل ما تقدّم ذكره أعلاه وفق منهجية موضوعية ومحايدة قدر المستطاع، بما يذهب بنا جميعاً إلى تحقق الأهداف الرئيسة؛ المتمثلة في أهمية المحافظة على مكتسبات ومقدرات الوطن، وأنْ تُوظّف الإمكانات والموارد كافّة التي حبانا الله بها لتحقيق التقدّم والرقي لهذه البلاد وأهلها. وفاءً والتزاماً بهذه الرسالة؛ سأقوم بطرح رأيي في هذا المجال، الذي يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب، مستنداً إلى الإحصاءات الرسمية المنشورة محلياً أو دولياً.
لعل من أهم وأبرز تلك المجالات التي تتطلّب التركيز عليها؛ ممثلةً في القطاعات الحيوية المرتبطة بحياة ومستقبل المواطن والمجتمع، كالتربية والتعليم، والرعاية الصحية، والخدمات البلدية، والمواصلات والنقل، وبيئة العمل المحلية، والشؤون الاجتماعية، وغيرها من القطاعات التي سيأتي ذكرها بصورةٍ تفصيلية. أفتتحها هنا بالحديث عن مجال التربية والتعليم.
لقد استحوذ هذا القطاع نظير أهميته القصوى للمواطن على اهتمامٍ كبيرٍ جداً من الدولة منذ تأسيسها إلى يومنا الراهن، وهو ما تؤكدّه بالدليل القاطع الحصّة القيّمة التي حصل عليها قطاع التعليم من الميزانية الحكومية وعلى مستوى الاقتصاد الوطني. حيث لم تنخفض عن معدل 19.1 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي، مشكّلةً ما يفوق 7.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما بيّنته الإحصاءات المنشورة حتى نهاية 2012م، ما دفع بها لاحتلال موقعها المتقدّم ضمن القطاعات الأكثر استقطاعاً من الميزانية.
لقد دفع الاهتمام الكبير من الدولة ـــ أيّدها الله ـــ بهذا القطاع الحيوي والركن الرئيس في معادلة تنمية وتأهيل الإنسان السعودي، إلى أن تحتل لقاء هذا الدعم المالي السخي المرتبة السادسة عشرة عالمياً من حيث الإنفاق على قطاع التربية والتعليم، كما بيّنته إحصاءات البنك الدولي الأخيرة الصادرة حديثاً في آب (أغسطس) 2013م.
لكن ما الذي تحقق على أرْض الواقع بالنسبة لهذا القطاع الحيوي؟ كتبتُ في مقالٍ سابقٍ بعنوان: المشاريع التنموية.. فاتورة التعثّر أكبر! نُشر في صحيفة ''الاقتصادية'' العدد 7182، وفقاً للإعلانات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في بيانات الميزانية الحكومية المُعلنة نهاية كل عام مالي طوال فترة القياس 2006-2011م، أنّ مشروعات المدارس الجديدة لديها، البالغ مجموعها التراكمي 18804 مدارس جديدة! وأخذاً في الاعتبار منحها فترة عام أو عامين للتنفيذ، فماذا كانتْ نتائج الأداء؟
وفقاً للإحصاءات المتعلقة بوزارة التربية والتعليم المرصودة في التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي، يتبيّن أنَّ الزيادة الفعلية في عدد المدارس لديها (الابتدائية، المتوسطة، الثانوية) بلغتْ 2747 مدرسة خلال الفترة 2007-2011م. بما يعني أننا أمام نسبة إنجاز لا تتجاوز الـ 14.7 في المائة.
في مقامٍ آخر مما يرد سنوياً في بيانات الميزانية الحكومية، دأبتْ الوزارة على الإعلان عن إعادة تأهيل 2000 مدرسة بصورةٍ سنوية، والراصدُ لتلك الإعلانات من المفترض أن تكون الوزارة خلال آخر عشرة أعوام، قد قامتْ بإعادة تأهيل 20 ألف مدرسة، أي ما نسبته 72 في المائة من مدارس التعليم العام على امتداد مساحة البلاد! فهل هذا ما تحقق فعلاً؟ وإن كان هذا قد تحقق فعلياً؛ من يا تُرى يُفسّر الكثير من حالات اهتراء مباني العديد من المدارس، والبنى التحتية لها، ومرافق الخدمات فيها؟ وكيف نفهم اضطرار الكثير من المعلمين والمعلمات إلى دفع تكلفة صيانة فصولهم التعليمية من حسابهم الخاص؟
في مقامٍ آخر؛ مقابل النمو المطرد لأعداد الطلاب والطالبات، الذي وصل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة فيه متوسط نمو للطلاب لأكثر من 1.6 في المائة، وبالنسبة للطالبات لأكثر من 2.3 في المائة، جاء نمو عدد المعلمين والمعلمات في اتجاهٍ معاكسٍ له تماماً! حيث سجل نمو المعلمين في آخر عام دراسي وحده انخفاضاً وصل إلى 10 في المائة، مقابل النمو المتتابع لأعداد الطلاب! وكذا الحال تكرر مع عدد المعلمات، الذي سجل بدوره نمواً سلبياً في آخر عامٍ دراسي بلغ 4 في المائة، ما نتج عنه ارتفاع ''مضاعف'' الطلاب والطالبات إلى المعلمين والمعلمات، ولعل هذا ما يفسّر الزيادة المفرطة في عدد الطلاب والطالبات، وازدحامهم في الفصول الدراسية لمعدلات تفوق أحياناً كثيرة الـ 40 و50 طالبا أو طالبة في الفصل الواحد!
كل هذا ألقى بظلاله العكسية تماماً للسخاء المبذول من الدولة لقطاع التربية والتعليم، لعل من أخطر نتائجها التواضع الشديد لقياس أداء طلاب وطالبات المملكة في اختبارات الرياضيات والعلوم وفقاً للمعايير الدولية، واحتلالها ذيل قائمة الدول المصنّفة في سلالمها العالمية. وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي