مترو الرياض نقلة نوعية في حاجة إلى سلوك حضاري

يأتي مشروع مترو الرياض، الذي يندرج ضمن مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام في مدينة الرياض بشقيه القطار والحافلات، بإضافة حضارية واقتصادية وتنموية غير مسبوقة للمملكة بوجه عام ولمدينة الرياض بوجه خاص، ولا سيما حين النظر إلى ما سيوفره المشروع العملاق من مزايا وفوائد اجتماعية واقتصادية عديدة.
من بين الفوائد الاقتصادية العديدة التي سيوفرها مترو الرياض وفقاً للجدوى الاقتصادية للمشروع، تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، تقدر بنحو ثلاثة ريالات أو ثلاثة دولارات لكل ريال أو دولار يستثمر في المشروع، إضافة إلى أنه سيكون للمشروع تأثير إيجابي في إتاحة بديل آخر ممتاز للغاية لوسائل النقل في مدينة مثل مدينة الرياض التي تتميز بالمساحة الجغرافية الشاسعة، وظلت تعاني لفترة طويلة من الوقت تدني مستوى خدمات النقل العام، الأمر الذي تسبب في ازدحام الشوارع والطرقات وفي تلوث البيئة وارتفاع أعداد الحوادث المرورية عاما عن آخر وحصدها الآلاف من الأرواح البشرية.
من بين الفوائد الاقتصادية أيضاً للمشروع، إنعاش الطلب على العمالة الوطنية الماهرة والمتخصصة في مجال مشاريع القطارات، وذلك خلال مراحل تنفيذ المشروع المختلفة، ولدى اكتمال المشروع بعد خمس سنوات، حيث على سبيل المثال قدرت إحدى الشركات التي ستقوم بتنفيذ إحدى مراحل المشروع بأنها ستكون في حاجة إلى نحو 15 ألف وظيفة، في حين قدرت شركة أخرى أنها في حاجة إلى 20 ألف وظيفة لتنفيذ الجزء الخاص بها من المشروع، الأمر الذي يؤكد أن المشروع خلال جميع مراحله سيسهم بفاعلية في استحداث وظائف جديدة في سوق العمل للمواطنين، وهذا بدوره سيسهم بفاعلية في الحد من ارتفاع معدلات البطالة في السعودية، ليس فقط خلال مرحلة تنفيذ المشروع، لكن أيضاً خلال مرحلة التشغيل، باعتبار أن الحاجة ستصبح ملحة إلى تشغيل أعداد كبيرة من المواطنين في تخصصات عدة ترتبط بمجالات متعددة بصناعة القطارات والمترو، حيث تشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى توظيف 90 في المائة من العاملين في تلك المرحلة من السعوديين.
وفي مجال صناعة النقل العام، فإنه يتوقع للمشروع أن يحدث نقلة نوعية في مفهوم النقل العام في المملكة، وبالذات في المساهمة الفاعلة في خفض أعداد المركبات على الطرقات، ما سيسهم في التقليل من أعداد الحوادث المرورية، ولا سيما حين النظر إلى الطاقة الاستيعابية للمشرع من الركاب لدى اكتماله، التي ستبلغ عند افتتاحه نحو 1.16 مليون راكب، قابلة للزيادة إلى 3.6 مليون راكب في المستقبل.
إن نجاح مشروع مترو الرياض كوسيلة فاعلة للنقل العام وتحقيقه الأهداف المنشودة منه، يتطلب تعزيز ثقافة استخدام وسائل النقل العام بسلوك حضاري لدى أفراد المجتمع كافة من المواطنين والمقيمين بمختلف شرائحهم وطبقاتهم ومستوياتهم، بحيث يسهم المشروع بالفاعلية المنشودة في التخفيف من أعداد المركبات على الطرقات وأعداد الرحلات اليومية على شبكات الطرق، بما في ذلك التخفيض من نسبة الحوادث المرورية. ولتحقيق هذا المقصد، فالأمر يتطلب تبني الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تطبيق خطة توعوية شاملة وطموحة على مستوى الوطن، تهدف من خلالها إلى تعزيز مفهوم أهمية استخدام وسائل النقل العام وتحث جميع أفراد المجتمع على استخدامها وتشجع على ذلك، بصرف النظر عن مستوياتهم أو طبقاتهم الاجتماعية وكما هو واقع الحال في الغرب، موضحة ما يسهم ذلك في تحقيق العديد من الفوائد والمزايا للفرد وللمجتمع وللوطن والاقتصاد على حد سواء. وللتشجيع على تبني هذا المفهوم، فالأمر يتطلب أيضاً تصميم عربات المترو بحيث تكفل تحقيق الرغبات المتباينة للناس ولمرتاديها، بحيث تأخذ في الحسبان وتراعي المستوى الاجتماعي للفرد Social Status، ما يفرض الحاجة إلى تصميم عربات بدرجات متعددة تقدم خدمات مختلفة للركاب تبعاً لقيمة أو سعر التذكرة.
الزميل الكاتب راشد محمد الفوزان أكد في مقال نشر له في صحيفة ''الرياض'' في العدد 16473 بعنوان ''إن من سيستخدم المترو.. التوعية الآن؟!''، على ضرورة وأهمية توعية الناس باستخدام المترو بذكر وشرح مميزاته من اليوم. كما شدد الكاتب على أهمية وضع محفزات تجعل من استخدام وسائل النقل العام الوسيلة والبديل الأفضل، مؤكداً في هذا الخصوص، على أنه في ظل انخفاض أسعار الوقود ''البنزين وما في حكمه'' التي هي الآن أرخص من الماء! وكذلك تسهيلات شراء السيارات الخاصة، سيكون من الصعب جداً أن يحقق مشروع مترو الرياض أو جدة أو مكة الأهداف المنشودة منه. وطالب الكاتب ونحن نضخ مئات المليارات لتشييد هذا المترو بإعادة النظر في المتغيرات والمستجدات من قبل جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة، بالتحفيز على استخدام المترو الذي سيكون ذا جدوى اقتصادية من حيث التخفيف من حدة الزحام، وتحقيق وفر في الوقود والطاقة والوقت والجهد.
خلاصة القول، إن مشروع مترو الرياض، الذي يندرج ضمن مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام في مدينة الرياض بشقيه القطار والحافلات، يعد دون أدنى شك من بين المشاريع التنموية العملاقة، التي ستحقق لمدينة الرياض نقلة حضارية نوعية غير مسبوقة في مجال النقل العام. لكن لينجح هذا المشروع ويحقق الأهداف المنشودة منه، لا بد أن تتبنى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تطبيق خطة توعوية شاملة تشجع وتحث على استخدام وسائل النقل العام من قبل أفراد المجتمع كافة وبيان الفوائد والمزايا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي