حمودي

شاهدتُ، أخيرا، فيلما بديعا على ''يوتيوب'' بعنوان: ''قصة احتضان الطفل حمودي''، يروي قصة تبني الزوجين الكويتيين، صفا الفيلكاوي، هشام الطواري، الطفل محمد، من دار رعاية الأيتام.
تناول الفيلم الوثائقي القصير التحديات، التي واجهاها من أجل تبني طفل مجهول الهوية. لقد بدأت رحلتهما مع فكرة التبني في السنة الثانية من زواجهما. لكن لقيت الفكرة رفضا تاما من أهلهما ما جعلهما يصرفان النظر عنها. ظلت الفكرة مستيقظة في رأسيهما رغم تراجعهما عن القرار. لم تغف أبدا. سلبتهما النوم. هدأ الضجيج في رأسيهما عندما استعانا بالله وقررا إعادة التفكير في مشروع تبني طفل رغم المعارضة الشديدة، التي يواجهانها. عملا على إنهاء إجراءات التبني الطويلة سرا. لكن عندما صدرت الموافقة الرسمية صارحا أسرتهما بالقرار. كانت ردة الفعل هي السابقة نفسها، معارضة واسعة واحتجاج عارم. رميا كل الغضب خلف ظهريهما وذهبا لاختيار الطفل الذي سيتبنيانه. لكنه اختارهما. كان الوحيد، الذي ابتسم لهما وسط العديد من الأطفال الأيتام. رفعاه عاليا واحتضناه حتى أجهشا بالبكاء. عندما دخل محمد إلى منزل صفا وهشام تحولت معارضة أسرتهما إلى تشجيع وتأييد غفير. لقد احتفى به الجميع. كان ينتقل من حضن إلى آخر دون أن يمنحا صفا أو هشام الفرصة لحمله ولو قليلا. وصول محمد إلى منزلهما كان خطوة عظيمة لكن القلق بدأ يستفحل في داخلهما كلما أمضى حمودي يوما جديدا وسطهما. كيف ستعيش صفا دون حمودي عندما يبلغ سن الرشد ويصبح ابنها القريب إلى قلبها غريبا. أنقذتها زوجة شقيقها،التي وضعت مولودها حديثا، وقتئذ، وذلك عندما قامت بإرضاع محمد الرضعة المشبعة المعتبرة، التي جعلته ابن أخيها بالرضاعة. لم تكتف صفا بذلك، بل أصبحت أما له بالرضاعة. فقد قامت شخصيا بإرضاع حمودي بعد أن حصلت على إذن شرعي (فتوى) تسمح لها بتناول حبوب ترفع هرمون الحليب لتستطيع بدورها إرضاع حمودي. تقول صفا: ''كان الموضوع صعبا ومعقدا. ظللت شهرا كاملا أتناول الأدوية وأعاني وأكافح؛ لكي أحصل على الحليب''. نجحت صفا بعد محاولات مضنية في إرضاع حمودي أكثر من عشر مرات. لاحظت صفا أنه بعد الرضاعة بدأ محمد يقوم بحركات تشبه حركاتها وفقا لأمها. قرأت صفا أن حليب الأم قد يجعل طفلها يكتسب بعض الصفات الوراثية من والديه.
طوال الفيلم كان حمودي لا يغيب عن الصورة يركض ويبتسم ويأكل مرتديا قميصا أزرق فاتحا مرسوم عليه صورة كارتونية لوجهه الجميل وتحتها عبارة ''حشاشة يوفي''، أي روح قلبي.
لقد منح صفا وهشام، حمودي الأسرة والحنان، اللذين لن يجدهما في دار الرعاية، ومنحهما السعادة والأمل.
هذا الفيلم الجميل البسيط، الذي أخرجته طالبات قسم الإعلام في جامعة الكويت: دلال النجادي، وأسرار السعيد، وعايدة الزنكي، وأمل الفرج، يعبر عن حس إنساني عالٍ، ويؤكد أن مجتمعاتنا مزدحمة بقصص نبيلة لكنها تفتقر إلى الضوء.
لقد تعلمت من هذا الفيلم أننا بوسعنا أن نحصل على أحلامنا مهما كان الوصول إليها صعبا. ها هو حمودي يرقد اليوم في حجر صفا بعد أن كان مجرد التفكير بوجوده في حضنها مهمة مستحيلة. سيهبنا الله ما نبتغي لكن علينا أن نلح في العمل والدعاء. مشكلتنا الكبيرة أننا نتخلى عن أحلامنا أمام أول معارضة. علينا أن نستمع إلى صوت واحد فقط. هذا الصوت هو ذلك الكامن في أعماقنا. فعندما يندلع ونصب عليه إيماننا بوسعه أن يشعل أملا يضيء دروبنا ويهبنا ما نريد. لكن عندما نتجاهله سنخمد هذا الصوت ونظل نراوح مكاننا يأكلنا الحزن وينهشنا الندم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي