Author

المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص.. أين نصيب المجتمع؟

|
تعد ممارسة المسؤولية الاجتماعية للمنظومات والشركات القيادية المحلية العاملة في القطاع الخاص موضع نقاش وانتقاد اجتماعي وإعلامي واسع, حيث يلاحظ أن هناك تناولا متسارعا لواقع ومخرجات المسؤولية الاجتماعية بحيث يلمس متطلبات الحد الأدنى من رؤية وطموح الفرد والمجتمع في هذا الخصوص, وهنا يمكن تفهم طبيعة هذا الاستفهام المباشر: أين نصيب المجتمع من هذه الأرباح؟ هذا السلوك الحضاري ''المسؤولية الاجتماعية'' مصطلح يتشدق به ويردده المجتمع الغربي في طرحهم لدور ومحصلة التربية والسلوك الفردي لحضارتهم في التعامل والتعاون واستشراف واقع وحجم المسؤولية, ويفتخر كذلك الكثير منهم في أطروحاتهم وأبحاثهم بتوافرالتطبيق العملي لواقع هذا المصطلح في المساهمة والمشاركة المجتمعية للمنظومات والشركات والمؤسسات المحلية في خدمة التنمية والرفاهية للفرد والمجتمع, وفي المقابل يشهد التاريخ القديم على أن ''العالم الإسلامي'' وضع اللبنات الأولى لهذا السلوك الحضاري فهو ''إسلامي'' بالفطرة والتربية قبل التوجيه, عطفا على واقع التشريع والتعاليم التي تجسد سلوكيات وتعامل ودور الفرد وتلاحمه في المجتمع, حيث إن عمق المسؤولية الشخصية في هذا المجتمع المسلم ينشد المبادرة بالدعم والتعاضد بهدف تنمية وتعزيز القيم التربوية السليمة أساسا وسلوكا عمليا لواقع الحياة. يطيب لبعض علماء الاجتماع والنفس تعريف مصطلح المسؤولية الاجتماعية على أنه ''مسؤولية الفرد عن الجماعة التي ينتمي إليها'', كما يحبذ بعض المفكرين تعريفه بأنه ''النهوض بالأمانة'' .. مع الأخذ في الاعتبار أنه في الواقع محصلة أساليب تربوية واجتماعية تؤدي إلى تنمية واكتساب عادات سلوك وتفكير ومشاعر، توفر عند الفرد المسؤولية الاجتماعية المطلوبة من خلال استيفاء عناصرها الرئيسة المتمثلة في ''الاهتمام, الفكر, المشاركة''. يجمع المتابعون والمختصون في عرف مفهوم وتطبيقات ''المسؤولية الاجتماعية'' على أن هناك تقصيرا واضحا للعديد من الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع الخاص في تفاعلها التنموي والتثقيفي والخدماتي, حيث يقتصر هذا الدور الإيجابي المفترض على أنشطة سنوية تتمثل في عقد أو رعاية بعض ''الندوات والمؤتمرات'' السنوية التنظيرية لبعض التوجهات الثقافية أو الخدمية لا يستفاد من توصياتها أو طرحها كواقع تنفيذي ملموس, بينما هناك محاور لبعض الجوانب التطبيقية التي يحتاج إليها الفرد والمجتمع في هذا الخصوص ما زالت في حاجة إلى الدعم والتناول والتوعية كأنشطة تطبيقية وعلمية, كما هو الحال على سبيل المثال في توجهات وخدمات ''المحافظة على البيئة, مكافحة التلوث البيئي, دعم وتبني شريحة الاضطرابات السلوكية مثل التوحد وفرط النشاط وتشتت الانتباه, التدريب النظري والميداني للتخصصات المتوافرة, التوظيف, وتطوير التعليم العالي''، حيث يمكن لهذه الشركات أو المنظومات القيادية تقديم دعم واضح ومباشر في هذا الخصوص. المسؤولية الاجتماعية للتعليم في ''الجامعات الأهلية'' على سبيل المثال تعد في عرف الاقتصاد القائم على المعرفة جانبا مهما وفاعلا ومطلوبا، خصوصا بعد تحرير التجارة والتعليم, فقد أصبح التعليم العالي - ومع الأسف - ينظر إليه عند البعض على كونه سلعة وخدمة يمكن الاتجار بها وتداولها، وبسبب أزمة التمويل، فإن كثيرا من الجامعات في الاقتصاد المعرفي تدار كما لو كانت شركات، والهدف الأساس هو توافر الدخل المادي على حساب الجودة النوعية وفي بعض الأحيان على حساب الأخلاقيات، كما أن الجامعات في مفهوم وتطبيقات الاقتصاد القائم على المعرفة يمكن لها أن تحرص كذلك على توافر وتهيئة الطلاب والمبتعثين في جانب الفهم والتقدير للثقافات المختلفة وتقديم المساعدة للآخرين, ومن الممكن كذلك للجامعات أن تشارك عمليا في المسؤولية الاجتماعية من خلال تشجيع روافد التنمية المستدامة داخل الحرم الجامعي نفسه ''وسائل وتطبيقات المحافظة على الطاقة وترشيدها, الحد من استخدام الأوراق, استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير والاستهلاك, تشجيع زراعة الأشجار, إتاحة الفرصة للتدريس والتعلم في تخصصات العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية ومعوقات التنمية المستدامة, تقديم الفرص المجانية للدراسة في التخصصات المطلوبة للطامحين والمتميزين من ذوي الدخل المحدود, ودعم وتشجيع البحث والدراسات العلمية في التخصصات المتقدمة والنادرة''. وفي المقابل .. ما زال البعض من المتابعين وكذلك من رجال الأعمال والمنتسبين لشريحة العمل في القطاع الخاص ''يشارك'' الفرد والمجتمع الناقد للتقصير في توافر التطبيقات العملية للمسؤولية الاجتماعية ''الاستفهام'' أيضا من خلال جملة من التساؤلات: هل المسؤولية الاجتماعية التزام أخلاقي أم التزام قانوني؟ ما دور المسؤولية الاجتماعية في تطبيق مفهوم المواطنة؟ كيف تتناغم المسؤولية الاجتماعية مع برامج التنمية والاستدامة؟ هل الشراكة في خدمة المجتمع عمل خيري أم واجب وطني؟
إنشرها