«الإشاعة» .. بين الأمن الاجتماعي والنشاط الاجتماعي

نسمع ونشاهد عبر أثير وفضاء الإعلام وخصوصا ''الإعلام الاجتماعي'' المتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت وكذلك تقنيات الهاتف المحمول، خبراً أو معلومة يحرص ناقلها على توثيقها ببعض الصور أو مقاطع الفيديو عن مشكلة يمكن لها أن تكون بعينها عامل إثارة عطفا على توقيتها أو قد تجمع عند من يتابعها ''الخوف، الشك، الريبة، الإحباط'' من واقع الحال، بعد أن أصبح المجتمع بمختلف شرائحه السنية ''الصغير والشاب والكبير من كلا الجنسين'' مواكبا وحاضرا في الغالب لاستقبال وقراءة مثل هذه الرسائل أو التعليقات.
هل ''الإشاعة'' في واقعها دائما مجهولة المصدر؟ أم هي في الأصل ترويج لخبر مختلق؟ أم هي حادثة يصدف أنها تلمس جانبا من الحقيقة؟ أم هي فكرة ورواية يتناول إعدادها وإخراجها مَن يحترف صناعة الإعلام والإثارة؟ هل يصنف مروجها على أنه ''ناشط اجتماعي'' أم مريض اجتماعي أم حاضن للإشكالات الاجتماعية؟ ماذا عن دور بعض الرموز والنخب في شبكات التواصل الاجتماعي في النقل والتضليل والتأليب؟ هل يقتصر الخطر على الأفراد فقط أم أنه يتجاوز ذلك ليصبح تهديدا للأمن المجتمعي وللدولة نفسها؟
ولكن .. أن تشاهد وتسمع خبرا موثقا بالصور يشير إلى أن الواقعة المغلوطة ''حديثة'' وفي محيط مدينتك أو محافظتك، بينما يشهد واقع الحال على أنها خارج محافظتك أو وطنك، كما أن توقيتها الزمني يعود لسنوات بعيدة عن التوقيت الزمني الراهن، كما جرت العادة أخيرا في تناقل أخبار موسم الأمطار مثل ''انهيار بعض الجسور أو الكباري، غرق بعض الأحياء السكنية'' فهذا مثال عملي ومدخل لتسليط الضوء في هذا الخصوص ولكنه ينشد قبل ذلك الإشارة إلى ''التقصير'' في جانب الدور الإعلامي الرسمي لمثل هذه المنظومات أو المؤسسات الحكومية في حق التوضيح والرد ''الشفاف'' بهدف توافر المعلومة الصحيحة والحرص على رفع مستوى الوعي والثقة بهذه المشاريع أو الخدمات التي كان للإشاعة دور في التهويل والنقل الخاطئ، وكذلك التنويه إلى كون مثل هذه الأخبار المغلوطة المعاد نقلها أو التغريد بها قد تكون مادة إعلامية دسمة للإعلام الغربي أو الإقليمي في توظيفها ''سلبا'' ضد مصالح وسمعة الوطن.
الإشاعة هي ظاهرة اجتماعية عرفها الإنسان منذ القدم، تشكلت وتطورت تبعا لتطور وتنوع المجتمعات، حيث أصبحت ترصد واقع ومحاور الاختلاف والأطماع وكذلك في مواكبة التغيرات الاجتماعية والتحولات السياسية والثقافية.
تعرف الإشاعة بأنها بث خبر ''من مصدر ما في ظرف معين ولهدف ما يبحث عنه المصدر قد لا يعرفه الآخرون'' بما يضمن انتشار هذا الخبر بين أفراد ومجموعات بعينها ''الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس والقصص التي يروونها'' دون التثبت من صحتها أو التحقق من مصداقيتها، حيث يعكس تأثيرها واقعا من تراجع الروح المعنوية والإنتاجية وكذلك الجانب النفسي بصفة عامة في المجتمع.
وحتى يمكن للمتلقي والمتابع فهم الأسباب والدوافع لمثل هذه الفقاعات الإعلامية التي يمكن أن تنتهي في وقتها، أو تنفجر أحيانا وتُحدث بعض الضرر، نتوقف في عجالة على أهم أنواع الإشاعات: الإشاعة الزاحفة ''البطيئة'' وهي إشاعة تروج ببطء وبطريقة سرية بحيث يؤدي هذا التكتم عند المتلقي إلى الاعتقاد بمصداقيتها، الإشاعة السريعة ''الطائرة''، وهى إشاعة سريعة الانتشار وسريعة الاختفاء، ''الإشاعة الراجعة'' وهي إشاعة تروج ثم تختفي، ثم تعود وتظهر من جديد في التوقيت الذي يحدده مصدر الإشاعة، الإشاعة الاتهامية ''الهجومية'' وهى إشاعة تقصد شخصا بعينه وتهدف إلى التقليل من مكانته، ''إشاعة الإسقاط'' وهي الإشاعة التي يُسقط من خلالها مُصدرها الصفات والأفعال غير الحميدة على شخص آخر، ''إشاعة التبرير'' وهى الإشاعة التي يهدف مُصدرها إلى تبرير سلوكه غير الأخلاقي أو التواصلي تجاه شخص أو جماعة بعينها، ''إشاعة التوقع''، وهي الإشاعة التي يسهل ترويجها عندما يتوقع ويتقبل المجتمع أخبارا أو أحداثا معينة أو خاصة.
وفي المقابل هناك أسباب وتداعيات تقف خلف التفاوت في سرعة انتشار الإشاعة مثل (''الشك'' الذي يعوض غياب الشفافية عندما تتوقف هذه المؤسسات عن مسؤوليتها الحقيقية في التوضيح أو التبرير، إشراك المجتمع في التفكير في النتائج يفتح المجال أمامه لفضاء واسع من التخيلات والرغبات، القلق الشخصي، توافر مفهوم وتطبيقات ''العقل الجمعي أو ثقافة القطيع'' عند البعض، توافر مقومات واقع التوتر النفسي من الترقب وعدم الاستقرار وعدم الثقة التي تصيب المجتمع، ضعف التحصيل والخبرة والثقافة المتمثل في بعض أنماط التفكير القائم على قبول الأفكار الجزئية فقط دون التحقق من مصداقيتها ودعمها بالشواهد والأدلة التجريبية).
الحديث عن الحلول المتداولة والمتعارف عليها يدعم هذه القراءة في الإشارة إلى اقتراح عملي في هذا الخصوص وهو تفعيل التهيئة والتنفيذ من قبل برامج ''مراكز الحوار الوطني، رعاية الشباب، وزارة التربية والتعليم'' في أنشطتها الداخلية إلى التعريف والتوعية لشريحة الشباب عن مخاطر وتداعيات النقل أو مجرد القناعة بمثل هذه الشائعات داخل وفي محيط المجتمع والوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي