Author

قراءة في توجه استراتيجية الإصلاح الإداري في المملكة

|
سؤال: هل التعاون من الفرد والمجتمع المتناغم مع متابعة واقع خطوات النتائج الملموسة في توجه الإصلاح المتدرج ''أفضل''، أم القفز على الواقع الراهن في اتجاه المجهول على افتراض ما تحمله الحلول من مردود إيجابي؟ يعتبر توجه الإصلاح الإداري رافدا للتطوير والتنظيم الإداري في جهاز الدولة، من خلال العمل على توافر واستحداث تغييرات وإجراءات جوهرية وأساسية في البنية والهيكلة والتخطيط بهدف التصدي للمعوقات وتقديم الحلول العملية المناسبة لتلبية الاحتياجات والخدمات العامة للمجتمع، وترشيد الإنفاق وتحسين جودة الأداء في مؤسسات ومنظومات الدولة بالتزامن مع الدفع بالكفاءات والخبرات الفاعلة لتحقيق هذه الأهداف والإطار العام للتوجه الإصلاحي المنشود، فالتاريخ يحكي لنا عن واقع بعض التجارب الدولية السابقة كما هو الحال مثلا في التجربة ''الأمريكية'' لمتابعة أداء الأجهزة التنفيذية وفريق العمل المكلف في هذا الخصوص ''250 عضوا'' من ذوي الخبرة والتأهيل في مشروع الإصلاح ولجانه المتفرعة للدراسة وتقديم الحلول في خدمة صناعة القرار الاستراتيجي، وكذلك تجربة ''كندا، نيوزيلندا، أستراليا، بريطانيا'' في عام 1990 عندما تبنت هذه الدول مفهوم ''تحقيق النتائج وزيادة الكفاءة والفاعلية'' من خلال برنامج الإصلاح والمحاسبة الإدارية، بعد أن تمت متابعة تطبيق توصياته على جميع المنظومات الحكومية. وعندما نحاول أن نسقط المفهوم العام لتوجه الإصلاح الإداري ''محليا'' من خلال قراءة شاملة لمشاهدة واقع حال نشاط القطاع الحكومي وتوسع وتنوع وتشعب مسؤوليات الدولة تبعا لتسارع محاور ومتطلبات التنمية والمنافسة التي نلاحظها في المصالح الحكومية في الوزارات وفي المؤسسات العامة ذات الاستقلالية الإدارية والمالية، وكذلك في التداخل بين القطاعات الحكومية والخاصة، نتفهم التناغم العملي بين هذه الدوافع وهذا التوجه وتناغمه مع قناعة الفرد والمجتمع في عدم القبول بنوعية وجودة وإدارة الخدمات والإنتاج ومعطيات الرقابة المالية والإدارية في المتابعة والشفافية في هذه المنظومات الحكومية، وكذلك على تقادم بعض اللوائح والأنظمة التشريعية عندما لا يرتقي إلى الطموح والمعايير المنشودة من الجميع. وقبل أن نستعجل في الإجابة عن ''السؤال'' الوارد في مقدمة هذه القراءة بتجرد يحاكي الواقع وينشد تحقق رغبة وطموح الفرد والمجتمع، نتوقف في عجالة عند أبرز الخطوط العريضة لما تم تناوله وطرحه من خطوات في مسيرة الإصلاح والاستراتيجيات العملية والتنفيذية للدولة في هذا الخصوص: ''الدفع بدماء جديدة لإمارات المناطق وكذلك في بعض الهيكلة التنظيمية والإدارية للمنظومات الحكومية، تسارع وتيرة الرقابة على المشاريع الخدماتية، عودة الإشراف على الأراضي السكنية من البلديات إلى وزارة الإسكان، المحاولة الجادة لحل أزمة الإسكان من خلال توجه ''قرض + أرض'' في حال تنفيذه عمليا وعلى أرض الواقع، لا بقائه مجرد قرار، حملة الجوازات لمتابعة ورصد العمالة المتخلفة مع مهلة الأشهر الثلاثة لتصحيح الوضع، التوسع في برامج الابتعاث والتعليم العالي، التوجه الجاد للحكومة الإلكترونية في المنظومات الحكومية بهدف اختصار الفترة الزمنية لسير وتنفيذ المعاملات ومحاربة الفساد،....). كما أن محصلة هذا التدرج في الإصلاح كنهج وعمل مؤسساتي وهيكلي منظم لا يعتمد على أفراد أو رموز بعينها، حيث إن ''ممارسة الإصلاح'' عمليا ومع مرور الزمن في حد ذاتها كفيلة بأن تترجم محصلة هذه الخطوات والإجراءات الحكومية لحل مشاكل الفساد الإداري والمالي والبطالة والإسكان بعد فترة زمنية إلى مرحلة ''التطوير والتكامل'' في جميع المنظومات والمؤسسات الحكومية، حيث إن الأهم هو الوصول لتراكمية معقولة من الأنظمة والتشريعات لمحاربة الفساد والعمل على بناء وتأسيس ثقافة وتطبيقات الإصلاح. وفي المقابل.. ألا يمكن أن نتفهم ما يتم تداوله على لسان حال البعض ''من لا يرغب أصلا في رؤية نتائج الإصلاح.. لا يمكنه أن يشاهد واقع خطواته الإيجابية''، على عكس من يتابع الخطوات الإصلاحية كل خطوة على حدة.. فهو يشاهد ويلاحظ ويرى الصورة ''شاملة'' عندما يجمع هذه الخطوات. ونخلص في هذه القراءة إلى ملاحظة وجود توجه حقيقي للإصلاح بصفة عامة يتدرج في خطواته تبعا لظروف وتداعيات بعض التحديات الداخلية في واقع البنية التحتية والأنظمة المتوافرة، وكذلك في المحاور والمطالب الخارجية ذات العلاقة بالتنمية والمنافسة الإقليمية والدولية، وتحتاج هذه الخطوات الإصلاحية إلى وقت ''قصير المدى'' لتظهر مخرجات هذه النتائج إلى أرض الواقع، حيث يمكن استشراف جدية هذا التوجه عندما يكون الحديث هنا، وفي هذا الخصوص من القيادة العليا في الدولة والمتمثل في التوضيح والتوجيه من قبل خادم الحرمين الشريفين في رؤيته: ''الإصلاح توجه استراتيجي للمملكة، ولكن بعيدا عن المؤثرات الخارجية''. أعتقد أن المواطن ''المتابع والمترقب والمتخوف'' في رؤيته لواقع التأخر في بعض مخرجات البرامج والمشاريع والهيكلة التنظيمية والتخطيطية ومحاربة الفساد يتفهم أن واقع ومستقبل هذه الاستراتيجية الإصلاحية'' ضرورة ملحة'' لخدمة المصلحة العامة للفرد والمجتمع في المملكة، وأنها كذلك ''أفضل'' من الواقع المشاهد للتنمية والاقتصاد والاستقرار في بعض دول الربيع العربي.
إنشرها