التجنيد وليس «تغير الأنماط» يا وزير العمل

لدينا نحو أكثر من 1.5 مليون باحث عن العمل اليوم حسب أرقام حافز، منهم 500 ألف رجل (80 في المائة من خريجي الثانوية وأقل، و80 في المائة أعمارهم أقل من 29 سنة). هؤلاء هم من يشكلون ''العرض المحلي'' في معادلة العرض والطلب لسوق العمل. الوزير يقول لا بد أن يتغير الطلب ليتواءم مع المعروض المحلي. لا يمكن يا معالي الوزير تعميم هذه الفكرة، فالاحتياج إلى ميكانيكي سيارات باق إلى أن تنقرض السيارات. الحقيقة التي يجب أن نتقبلها (نتجرعها) هي أننا في حاجة إلى معالجة العرض وليس الطلب، فنحن تجمع بشري يجري عليه ما يجري على بقية التجمعات البشرية في كل أنحاء العالم من احتياجات ومتطلبات لا بد من إرضائها من قبل بعض الناس. باختصار لا يمكن أن يتغير الطلب على الميكانيكي إلا إذا انقرضت السيارة أو اخترعوا سيارة لا تتعطل، وعندها لن نحتاج محليا ولا أجنبيا.
لنتعرف أكثر على سوق العمل اليوم. السعوديون يطلبون مهنة البيع بنسبة 18 في المائة ومهن الخدمات بنسبة 33 في المائة، والمهن الكتابية بنسبة 23 في المائة (تقريبا 75 في المائة في أعمار تقل عن 30 سنة). بينما المطلوب في سوق العمل هو كالتالي: استقدمنا أكثر من 500 ألف على المهن الهندسية الأساسية المساعدة حسب إحصائيات وزارة العمل لعام 1432هـ (نحو 50 في المائة من المستقدمين). احتياج سوق العمل واضح، المعروض شيء والمطلوب شيء آخر. أليس من الأجدى بدلا من أن نجبر القطاع الخاص على تغيير أنماط الوظائف (السعوديين) أن نتدخل لنوائم أنماط العرض المحلي مع ما هو مطلوب في سوق العمل المحلية؟ التدريب ومؤسسات التعليم الفني لا يبدو أنها عالجت المشكلة بشكل واف. لا بد من تدخل مختلف وبشكل أكثر جدية. ماذا عن التجنيد الفني؟ التجنيد الفني لشبابنا مع حلول تمويلية لاحقة على تخرجهم تعينهم على شق مستقبلهم بأيديهم يبدو أنه أنسب الحلول اليوم. علاج سيضرب عصافير متعددة بحجر واحد. فتح باب التجنيد مدعوماً بتدريب فني في المهن الهندسية الأساسية المساعدة سيوفر مزايا عدة، من بينها:
- تدريب فني على مهن منتقاة تعرفها وزارة العمل – ويعرفها القطاع الخاص - بتركيز عال وجدية أعلى.
- تدريب على الانضباط السلوكي وتحمل المسؤولية لمجموعة من الشباب المقبل على الحياة دون تجارب عملية مؤثرة.
- بنية تحتية مادية للتدريب (مبان ومعسكرات وأدوات...) لا أعتقد أنها تحتاج إلى كثير من الجهد والمال لتهيئتها لاستقبال المتدربين الجدد.
- بنية تحتية بشرية متعددة بخبرات ميدانية في تدريب الرجال على أقسى الظروف، مع توافر خبرات متراكمة في كثير من المهن المحتاج إليها (صيانة وتشغيل المعدات العسكرية تتطلب حتماً فنيين)، وبالتالي إمكانية البدء في التدريب مبكرة.
- موثوقية أعلى في جودة التدريب بدلا من المعاهد المنتشرة بطول البلد وعرضها دون ضابط موثوق.
- الدولة أكثر جاذبية للانقياد - سيتدرب الشاب على وظيفة ''لحام'' مثلا لدى جيش الدولة ويصعب اجتماعيا أن يتدرب عند غيرها على تلك المهن الأقل شعبية.
- قابلية التغير والتطوير في المهن غير محدودة.
- تمحيص للجادين في طلب العمل.
- توفير خامات بشرية تحت الاختبار للانتقاء منها ما قد يكون مناسبا/موهوبا يجب استقطابه للقوات العسكرية أو الأمنية في مختلف القطاعات.
- احتياطي عسكري جاهز في أية لحظة للاستدعاء - لا قدر الله.
لا يمكن أن ينجح أي برنامج دون تعاون. ''تجزر'' العمل على معالجة أي مشكلة ضخمة سبب لاستفحالها، لذا لا بد من تضافر الجهود مع وزارة العمل، فيجب أن تقوم وزارة المالية بتوفير مبالغ إضافية مكافآت لهؤلاء المتدربين (استمرارية راتب حافز) وللمدربين من الضباط والجنود. كما يجب أن تتبع تلك الفترة – ولتكن سنة مثلا - أدوات تمويلية لازمة لهؤلاء، وبسهولة. من بينها توفير الأدوات والعدد الفنية المناسبة للخريجين، إما على شكل إعانة أو قروض أو ضمانات بنكية للموردين. وزارتا التجارة والشؤون البلدية والقروية لهما دور مهم كذلك عبر تسهيل مهمة انخراط هؤلاء في القطاع الخاص، بتسهيل الإجراءات، فيكفي مثلا الحصول على الشهادة لفتح محل، ولا أرى ما يمنع من إلزام المطورين العقاريين في كل المدن والقرى بتخصيص موقع تجاري في كل مخطط لخريجي تلك المؤسسة يمنح بالقرعة، مثلا. منح تراخيص فتح محال يجب أن يكون لهؤلاء فقط مثلهم مثل الأطباء والمهندسين والمحاسبين والمحامين وليس لكل من هب ودب. استقدام مهن مشابهة لا يجاز إلا بعد التحقق من عدم وجود كفاية من هؤلاء. أوقات فتح المحال يجب أن يتم ضبطه فلا يمكن أن ينافس سعودي مع أجنبي يفتح عصر العيد ويسكن عشرة منهم في غرفة في الورشة.
تمر المملكة بوفرة مالية قد لا تتكرر، وعدم الاستفادة القصوى والمثلى منها جريمة في حق أبنائنا وأحفادنا. ترك معدل البطالة ينمو هو ترك لقطرات السيل لتتكاثر حتى يصبح موجاً ثائراً لا يعرف أين يذهب، يلطم يمنة ويسرة ويركب أي منحدر حتى لو كان للهاوية. لا أعرف إلى الآن سبباً وجيهاً يحول دون تحقيق ثورة تنموية في جميع الأصعدة. لا أدعو إلى اختراع منتج يغير خريطة العالم، بل أشير إلى تأسيس قواعد تنموية تكون أساسا متينا للمستقبل. لدينا ركائز أساسية ولدينا خبرات متراكمة تحتاج فقط إلى تفعيل. لدينا بنية تحتية وبشرية مطمورة حان الوقت لاستخدامها. التجنيد الفني لن يعالج كل المشكلات، فسيبقى غير اللائق للتجنيد، والنساء، وبعض المهن الأخرى غير الممكن إدراجها تحت مظلة التجنيد الفني، لكنه سيعالج جزءا من المشكلة، وقد يكون نواة لمعالجة مشكلات أكبر. الخيار الآخر هو فعل لا شيء أو المطالبة بأشياء أشبه ما تكون بفعل لا شيء، في زمن لا بد فيه من فعل شيء. التشبث برسوم على شركة هنا وعمالة هناك لن يعالج مشكلة العرض. وهبه عالجها اليوم.. ماذا عن الغد؟ وإن كان هناك إيمان بأنه دواء، فلنذهب إلى الهدف مباشرة عبر أقصر الطرق ولنستغني عن الأجانب كلهم ولنرى إن كان بالإمكان تغير الأنماط التي يدعو إليها الوزير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي