مؤسسة التدريب المهني.. فرصة للتصحيح

جاء برنامج الشراكة الاستراتيجية للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، بارقة أمل لإنقاذ مسيرتها المتعثرة، والإفلات من وصمة التجارب الفاشلة، ولو كنت مسؤولا في المؤسسة العامة، لما ترددت لحظة واحدة في الاعتماد على هذا البرنامج المبتكر كخيار استراتيجي، واستغنيت عما سواه من مشاريع ومرافق تديرها المؤسسة منذ أمد بعيد، ولم تحقق إلا المزيد من الهدر المادي والبشري.
أضاعت المؤسسة وقتا طويلا في البحث عن هوية، وحولت منشآتها إلى حقول من التجارب العبثية بحثا عن الطريق الصحيح المؤدي إلى صناعة موارد بشرية تواكب تطلعات التنمية المحلية وتسهم في القضاء على شبح البطالة، وشغلت المؤسسة نفسها بملاحقة المستثمرين ومراكز التدريب الصغيرة والجدل المستميت هل نقدم تعليما أم تدريبا؟
غيّرت المؤسسة اسمها، وأعادت هيكلة إداراتها أكثر من ثلاث مرات، وألغت اقساما وأنشأت أخرى، وأغلقت المعاهد الثانوية التجارية وأعادت افتتاحها، وغيّرت مسارات المعاهد الصناعية وعادت للمسار نفسه، واستبدلت أكاديميين بمدربين، وتوسعت في مشاريع جديدة واستحدثت الأنظمة الثلثية والنصفية، ودخل مسؤولوها في جدل اجتماعي وإعلامي حول المخرجات النهائية للمؤسسة.. والنتيجة نفسها أرقام مضاعفة من العاطلين بمؤهلات لم تشفع لهم بالتفوق ومزاحمة الأيدي الوافدة في سوق العمل.
تشير الإحصائيات التي أعلنها فريق العمل لبرنامج الشراكات الاستراتيجية، إلى أن المؤسسة أنشأت تسعة معاهد في مدن مختلفة بالشراكة مع شركات المياه والسيارات والطيران والبترول والغاز والتعدين والمقاولات والبلاستيك والإلكترونيات، تستوعب في مرحلتها الأولى ثمانية آلاف متدرب بعقود منتهية بالتوظيف. وهناك خطة لإنشاء عشرة معاهد أخرى بالشراكة مع شركات الكهرباء، السياحة، الألبان، التقنية، الورق، المطاط، والدواجن، تستوعب أكثر من عشرة آلاف متدرب. وحققت المعاهد المستهدفة إقبالا جيدا من الشباب بعد تأمين مكافآت شهرية لهم من صندوق الموارد البشرية وتوظيفهم منذ اليوم الأول بعقود معدة سلفا.
لا شك أنها خطوة مبهجة لا تحتاج إلا إلى مزيد من الدعم والتوسع، ولا بد من التركيز وتسليط الضوء عليها إعلاميا، حتى لا تضيع في انشغال المؤسسة بخط سيرها القديم المثقل بالجدل والتجارب التقليدية.
وإذا كانت قيادات المؤسسة لديها الرغبة والحماس للتغيير وخدمة مجتمعهم، فأتمنى ألا يأخذهم الحماس بعيدا عن الشراكة مع منظمات القطاع الخاص التي تقود السوق، ويكفينا ما مضى، فالمسألة مستقبل وطن وأجيال، وعلى المكابرين والمقاومين للتغيير أن يقنعونا ماذا قدمت 35 كلية تقنية من منتج وهي لم تتجاوز في أدائها ما تقدمه المدارس الثانوية؟
وأين الكوادر المؤهلة من خريجي المعاهد الصناعية التي تجاوز عددها 74 معهدا؟ وما إسهاماتهم في برامج التنمية والبناء، ونحن لا نجد لهم حضورا يذكر في سوق العمل؟ رغم كل ما صرف عليها من ميزانيات عبر تاريخ المؤسسة.
أليس من المخجل أن تخسر الدولة مرتين لإعادة تأهيل خريجي الكليات التقنية من خلال برامج ''التجسير'' التي استحدثتها الجامعات خصيصا لمخرجات المؤسسة، بهدف تطوير مهاراتهم والاستفادة من فرص التوظيف المتاحة، وهو أمر مزعج بكل المقاييس، وعبث ما زلنا ندفع ثمنه ولا نعلم متى يتوقف؟
إن برنامج الشراكات الاستراتيجية فرصة ثمينة للتصحيح، ويجب أن يشمل كل مؤسسات القطاع الخاص، ولا بد للمؤسسة إن أرادت الاستمرار أن تكون شريكا فاعلا لشركات الطاقة والعقار والملبوسات، والتقنية، وشركات الأمن، والاتصالات، والبيع، والتجزئة، والذهب والمجوهرات، وكل نشاط يزخر بالفرص الوظيفية، وتحتكر الأيدي الوافدة فرص العمل فيه.
فلدينا سوق عمل ضخمة وزاخرة بالفرص، لكن معظم مؤسساتنا التعليمية والتدريبية أخطأت الطريق إليها، بعد أن ظلت تدور حول نفسها وتعمل بمعزل عنه، في الوقت الذي تنشئ فيه في دول الجوار جامعات ومعاهد تدريب صممت مناهجها التدريبية لتغطية احتياجات سوق العمل السعودية منجم الفرص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي