بوبّوس

قلت للصديق لؤي قزاز: أعلنتم أن إدارتكم الحالية التي تقود الاتحاد، مدينة بفواتير لازمة السداد تتجاوز 50 مليون ريال، ومع ذلك لم تغيبوا عن سوق الصفقات الشتوية، بل وقعتم واحدة من أهمها، مع أحمد الفريدي لاعب الهلال، وسألته: كيف يمكن لكم أن تسيروا في هذا التناقض الصارخ؟
لم يستغرق وقتا طويلا وهو يجيب: قد لا تعلم أيضا أن الديون ستزيد في الفترة المقبلة لأن هناك مستحقات ستبلغ أجلها في القريب، لكن - والحديث للشاب الاتحادي المتحمس - أمام الديون لا نستطيع أن نتوقف، ولن يمنحنا المنافسون الفرصة لالتقاط الأنفاس وتسديد التزاماتنا، ولو توقفنا فلن نستطيع اللحاق بهم، وتابع: صفقة الفريدي مثلا لا تؤثر على ديوننا أبدا، وقعنا معه وليس مطلوبا منا أن نسدد كامل المبلغ الآن.
استفاض في شرحه: كل الأندية السعودية مدينة، نحن ورثنا عقودا تحل مواعيد سدادها في عهد الإدارة الحالية، والإدارة الماضية ورثت عن ما قبلها، ونرجو أن يرث من يخلفنا أقل منا، وختم بعبارة "الديون لا تنتهي" متبوعة بزفرة ساخنة.
صديقي العزيز الذي أرى فيه المؤسس الخامس في تاريخ الاتحاد بعد فتيحي، طلال بن منصور، عبد الفتاح ناظر، ومنصور البلوي ـ ولكم الحق في الاختلاف والرفض، لم يبتعد كثيرا عن الحقيقة بل وصف الحال بدقة، وبناء على حديثه لا يمكن اتهام إدارة من إدارات الاتحاد الماضية بتوريث من تلتها ديون، لأنها هي الأخرى ورثت عقودا وقعتها سابقتها، ووقعوا هم ما ورثه خَلَفُهم، والدائرة مستمرة في سلسلة لا تعرف لها بداية من نهاية. والحال كذلك في مختلف الأندية السعودية، التي تفتقد قوائم مالية واضحة، تحدد المداخيل والمصروفات.
حال مديونيات الأندية السعودية، لا يختلف عن حال عادل إمام في فيلمه "بوبوس"، وفيه جسد دور رجل أعمال مفلس، ينجح كل مرة يقع فيها، في جدولة ديونه مدعوما بعلاقات السلطة وشراكتها المستترة، وبتسهيلات وقروض واندماجات لا تنتهي، وفي النهاية يعود إلى البداية، بزيادة أصفار على اليمين في رقم ديونه.
بوبوس فيلم كوميدي تعيس ربما هو الأقل جودة ودخلا في تاريخ الزعيم. وحال مديونيات الأندية السعودية مسلسل مكسيكي تراجيدي حزين يصور مأساة، تعرض كل عام، ولا ينتهي إلا ويبدأ من جديد، ومؤسسة الرياضة في البلاد لا تتحرك خطوة في هذا الاتجاه، ولا تتألم ولا تشعر بألم الدائنين، والأندية ليست شركات قائمة وذات صبغة تجارية رسمية حتى تعلن إفلاسها، ولا تعرف لها تعريفا واضحا، أندية محترفة يديرها هواة، بمداخيل جيدة ليست مضمونة على المدى البعيد، ولا تستغني عن الهبات أيضا، محترفون بعقود ضخمة يطلبون مرتباتهم التي تسير أمورهم الحياتية من منشأة ليس لها صفة واضحة، عملية معقدة فعلا.
.. أين تذهب أموال الأندية من الشريك الاستثماري، ومن النقل التلفزيوني، ومن عقود الرابطة؟، ولماذا لا تدفع مرتبات المحترفين على الأقل من هذه المداخيل، وتترك الصفقات الأجنبية والداخلية لقدرات الرئيس ومجلس الشرف؟ الجواب: تتحول غالبا إلى البند الثاني وهو التعاقد مع الأجانب والمدربين، وهذا خطأ تمارسه أغلب الأندية، ومبررهم فيه، هذا ولدنا يصبر علينا، والأجنبي ما يصبر، والحقيقة أن ولدنا الأحق من الأجنبي وأولى.
أمام كل هذا التشابك، وبما أن الأندية مقبلة على تعاقدات استثمارية جديدة في الموسم المقبل، فإني اقترح على رعاية الشباب تعليق التعاقد مع اللاعب الأجنبي لمدة موسمين أو ثلاثة، ومنح الأندية فرصة لتسديد مديونياتها من عقودها الاستثمارية المقبلة، على أن يتوافق ذلك مع اللائحة الجديدة المرتقبة لرؤساء الأندية، ونضرب عصفورين بحجر، ناد بلا ديون، ورئيس جديد لا يرث قرارات سلفه المالية، ونؤسس قيودا نظامية تمنع تكرار المسلسل التراجيدي المأساوي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي