ماذا لو..؟

يتذمر البعض من قسوة الحياة ومتغيراتها المتلاحقة، فينظر إليها نظرة سوداوية بائسة، فتراه يحمل هم المستقبل البعيد، ويغتال جمال اللحظة بتشاؤمه، وينشر تردداته السلبية الخانقة حيثما أقام وارتحل. وحتما إن كنت شخصا متفائلا فستضيق به ذرعا لكنك رغم ذلك مجبر على رفقته إما لأنه من ذوي القربى، أو لأنه زميل عمل، أو لأنه جار جنب، لذا ستضطر اضطرارا من باب "مكره أخاك لا بطل" أن تحدثه عن روعة الإيجابية وأثرها الجميل في الحياة وروعة الأمل الذي يبحر بمراكبه في بحر السعادة والهناء والسرور، وسيجيبك بصوت واهن ممزوج بآهة حرى "النار ما تحرق إلا رجل واطيها" لكأنما هو يقول لك بطريقة غير مباشر كما قالت الشاعرة الدقيس "من لا استشارك لا تباديه بالشور، ومن لا يودك نور عينك فراقه"!
ــــ لكن ماذا لو.. أن المتشائم السلبي أحصى نعم الله تعالى عليه من عافية ووظيفة ومال وزوجة وبنين ومسكن وسيارة وطعام وشراب وصحة أعضاء داخلية وخارجية وحسن خلقة في الوقت نفسه الذي يرى غيره محروما من بعضها أو كلها فهل ستتغير نظرته للحياة؟!
ــــ ماذا لو.. أن المتشائم السلبي قرأ حديث النبي عليه الصلاة والسلام (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل"). فرغم أن السماء تتساقط كسفا والأرض تمور والجبال تتطاير كالعهن المنفوش والبحار تتلاطم والأخلاء يهرب بعضهم من بعض، إلا أن حبيبنا يأمرنا بالإنتاجية والتفاؤل والأمل والغرس واكتساب الدرجات حتى في هذه الظروف التي يشيب لها الرأس، لو أدرك المتشائم هذا المعنى العميق لروعة التفاؤل فهل ستتغير نظرته للحياة؟
ماذا لو.. أن المتشائم السلبي أحسن الظن بمن حوله واستبدل كل ما احتفظ به من تسميات محنطة بين دهاليز عقله المتعب بمسميات أجمل وأروع وأصدق، فالحياة التي يعتبرها غابة مظلمة مخيفة يبدأ بالنظر إليها كبستان جميل الألوان يفوح شذى أزهاره معطرا الكون بأسره، والناس الذين يعتبرهم وحوشا انتهازية متسلقة ويغلق دون التواصل معهم ألف باب وباب يبدأ بالنظر إليهم كظلال أشجار وارفة ترعاه بحنو حين يشتد عليه هجير الصحراء الموجع، وأسرته التي بنى حولها أسوارا من الشك والغلظة وجفاف المشاعر يبدأ في تحطيم السدود بينه وبينها لتتدفق المشاعر حبا وحنانا ورحمة وعطاء واحتواء.. فهل لو أدرك المتشائم روعة حسن الظن بالآخرين فهل ستتغير نظرته للحياة؟
ماذا لو.. أن المتشائم السلبي أدرك أن التشاؤم هو الخطوة الأولى في طريق اليأس والذي ينتهي المطاف بصاحبه إلى الكفر مصداقا لقوله تعالى: "إِنَّهُ لا يَيْأَس مِنْ رَوْح اللَّه إِلا الْقَوْم الْكَافِرُونَ" فهل كان سيستمر في تشاؤمه الأسود؟
التشاؤم حين يدق أوتاده في ساحة بيت أو مجتمع أو وطن فقل عليه السلام، لذا فلنحارب التشاؤم كأشد أعدائنا شراسة، ويجب أن ننتصر عليه فلن تنهض أمة يتمدد التشاؤم في نفوس أبنائها كأطراف أخطبوط مخيفة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي