أدعياء المثالية

بعد أن كانت النية الواحدة والشخصية الواحدة من سمات مجتمعنا قديما , أصبح في هذا الزمن لكل شخص عدة نوايا و عدة شخصيات !!
و بعد أن كان يُعرف الرجل و المرأة بصفات لا تتغير تحت أي ظرف , ظهر جيل تتغير صفاته بتغير المواقف و الأماكن و الأزمان ...
فنجد بعضهم مطواع وهادئ في عمله , بينما نجده يثور لأتفه الأسباب في منزله . أو تجده محترما في بلده وملتزما بدينه بينما نجده في بلاد أخرى مستهتراً ومنتهكا لتعاليم دينه. و قد نجد إحداهن تكرر عبارات تدعو للاهتمام بالمنزل والأبناء
و الزوج , بينما هي أبعد ما تكون عن تطبيق ذلك في حياتها الفعلية .
أصبح الرأي العام , وسمعة الشخص أمام الآخرين مهما أكثر من نظرة الشخص و احترامه لنفسه .
أعي تماما بأن لكل مقام مقال , وبأن ما يقال في مكان ما ؛ لا يقال في مكان آخر .
وأعلم بأنكم تدركون بأن التبسط في اللباس و الكلام مع الخاصة ؛ لا يعيب أحداً بل هو شيء طبيعي , والظهور أمام الأغراب بشكل مختلف من حيث رسمية الهندام و الكلمات و التصرفات ؛ يعد أيضا أمرا طبيعيا جدا .
هناك صفات سواء جميلة أو قبيحة , تعد طباعا متأصلة لدى الناس , فمن كان يملك الحسن منها فلا بأس , ومن كان يتصف بالسيء منها , فنسأل الله له الهداية ؛ ولعله إن شعر بتقصيره وضيق الناس منه يحاول إصلاح نفسه .
وأنا هنا أود أن أتحدث عن الذين يتصفون بصفات سيئة , ولا يظهرونها – وهذا شيء جميل – ولكنهم لا يكتفون بذلك بل يدّعون الصلاح و المثالية , هؤلاء (( أدعياء المثالية )) يتمسحون بالحديث الشريف :
((كل أمتي معافى إلا المجاهرين ..))
وهم يثبتون مرة أخرى سوء فهمهم مع سوء خلقهم فالحديث يشير إلى الشخص العادي الذي ارتكب سيئة و يدعوه لعدم المجاهرة بفعل المعاصي .
ولا يتحدث عن شخص يعد ملازما للسيئات , ويفترض منه محاولة اصلاح نفسه , دون الحاجة للكذب و ادعاء المثالية . أمام الآخرين .
هؤلاء الحمقى , لا يملون من ارتداء الأقنعة و نزعها بحسب الموقف.
انظروا حولكم كم من مسؤول يقول لا للواسطة؟ وأبناءه يعملون في أفضل الوظائف وكم من شيخ يقول أسهم هذه الشركة حرام ونجد بأن له النصيب الأكبر من أسهمها.
وكم من مفكر ملأ الفضاء حديثاً عن الحرية بينما هو لا يتيح للآخرين ( أسرته أو موظفيه ) الحديث إطلاقاً في حضرته .
وكم من استشاري أسري أو طبيب نفسي , لا ينفك يتحدث عن حقوق المرأة وضرورة معاملتها بالحسنى وهو - كالآخرين – يملك شخصية أخرى تختلف عما يظهر به أمام الآخرين . يبطن القسوة و الجفاف .
وكم من سيدة مجتمع تتذرع بالأعمال الخيرية طلباً للأجر بينما هدفها حب الشهرة و الأضواء والربح المادي البحت .
كل مدّعٍ للمثالية سينكشف عاجلا أم آجلاً .
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
أقول لمدعي المثالية: الصدق منجاة , والتلقائية تقربكم للناس والوضوح يحبب الناس فيكم .
ألا تعلمون أنكم حين تقسمون الناس قسمين , قسم تحترمونه وقسم تحتقرونه , فإنكم تصبحون مزدوجي الشخصية , بل وتعانون من انفصام حاد بالشخصية.
اجعلوا ظاهركم كباطنكم،واهتموا بالقريب كي يحترمكم البعيد، وراقبوا الله في كل حين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي