عمر مرة أخرى.. قراءة لما بين السطور

هالني ما ذكر فيه المسلسل بأن الدين قد بدأ أوله وأساسه بإيمان وتضحيات من الرق/العبيد وآراء الشباب واستقلالهم. ومن أكثر الدلالات المفارقة والعميقة التي أشار إليها الكاتب وليد سيف في حبكته هي المقارنة بين تحرر قلب بلال بن رباح حتى (قبل) أن يحرره سيده وبين قلب وحشي المأسور للعبودية حتى (بعدما) حرّره سيده!
في هذا المشهد توقفت طويلا أتأمل روعة الأبعاد الإنسانية فيما شكّّل فارقا عميقا بين تحرر وحشي وبلال!
فالحرية فعلا يقررها صاحبها أولا قبل غيره!
بلال كان حرا حين اختار دينا مختلفا عن دين سيده! ورفضه لكل العروض ومقاومته العذاب الموسوم عليه لأنه اختار. فهو في تحمله ذاك العذاب كان مؤمنا بأن دينه نزل إليه كإنسان حر! وآمن به على هذا الأساس بعد أن استوعب فكرته! فكأنه باحتماله لذاك العذاب كان يدافع عن إنسانيته وحقه في (الاختيار) والذي يراهما بلال من صميم دينه! ولأن حريته في الاختيار كانت في اتجاهها السليم انتهت مأساته بمعاملة إنسانية فاضلة لا تعرفها عصبية كبار قريش وغرورهم ولم يعتادوها! فحين حرر رقبته أبو بكر - رضي الله عنه - أخذ بيد بلال قائلا: بلالٌ أخي وصاحبي.
وكانت قولا وعملا وليست مجرد ادعاء تواضع من مغرور. بل عاش بلال - رضي الله عنه - بقية حياته صحابيا جليلا أخا للصحابة ومنهم. وعلى العكس تماما كانت مأساة وحشي الذي بقي قلبه مأسورا لا يعرف الحرية حتى بعدما أعتقه سيده، فقد مكث طويلا يغلي شوقا لحريته معتقدا أنه لا ينالها إلا بسيده فلم يختر لنفسه فكرة يعتنقها ولم يحب المرأة التي أحبته لأنه يعتقد ألا شيء ملكه لا قلبه ولا عقله! فحين أغرته هند بنت عتبة بالمال والحرية مقابل دم حمزة تعلق قلبه بأسباب أخرى غير حقيقية ظن أن بها حريته! فراح يقتل وهو لا يرى جسد حمزة بل يراه جسرا لحرية سينالها من طاعة عمياء لم تنبع من اختياره!
وبعد أن منحوه المال والحرية ذهب إلى مجلس قريش لكي يجلس معهم معتقدا أنه بات منهم فسخروا منه وطردوه! وتنكر لمن تحبه أن تكون تستحقه لأنه علا عليها أي أنه ما زال أسيرا لعبودية لا تفهم ولا تعي معنى الإنسان!
فهو محتقر لنفسه فكيف يحترم من يعتقد أنها كانت مثله!
إنني أشاهد المسلسل بقراءة أستمتع بها أكثر من ممارسة النقد فيها! مسلّّمة نفسي للجهد الكبير المبذول في الصورة والنص والموسيقى التصويرية.
وبعدها أتابع ما يكتبه الناس من انتقادات وكان أكثر انتقاد للسيناريو قرأته فلفت انتباهي هو غياب الحوار والنقاش بين الصحابة وحضوره الأكثر بين كبار قريش.
كتبت جريدة ''الوطن'' في نشرتها النقدية قبل أيام عن مدى افتقار فناني الخليج للثقافة العميقة التي تمكنهم من المشاركة في التمثيل في مسلسل عمر! فيرى كاتب النشرة أن الممثلين المثقفين تكاد تنفرد بهم سورية وشمال إفريقيا.
بالفعل ففي أغلب اللقاءات التي تكون مع الممثلين السوريين لا بد أن يكون لحديثهم عمق وثقافة لا يستهان بها. فيما يختلف الوضع لدى فناني الخليج الذي (يندر) أن ترى من بينهم من يحمل ''ثقلا'' ثقافيا! ربما يكون من فناني الخليج من هو مثقف بالفعل كما فاجأنا حضور وثقافة علي الهويريني في لقائه ببرنامج للحوار بقية. لكن وجود فنان بمثل ثقافته وغيابه الطويل عن الشاشة سواء بالأعمال أو اللقاءات هي لا شك سقطة ارتكبها تجعلني أشعر بالتناقض بين القول والفعل حتى وإن أبهرني قوله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي