المخدرات للخروج من الأزمة!

يؤدي الفقر المدقع إلى التخلي عن القيم الإنسانية والتساهل في تطبيق التعاليم الدينية. ينتشر البغاء والجريمة في الدول الفقيرة أكثر من غيرها، وذلك لارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغالباً ما يكون ذلك في الدول غير المتقدمة! ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن ضعف الاقتصاد وتدني الأجور يشجعان المزارعين على زراعة المخدرات للحصول على العملات الصعبة. لذلك تسمعون كثيراً عن مكافحة زراعة المخدرات في أفغانستان ودول أمريكا اللاتينية كأحد المحاصيل ذات المردود الكبير.
لا يؤدي الفقر إلى بيع النفس وارتكاب الجريمة فقط، بل يتجاوز ذلك في بعض الأحيان إلى بيع الأرض والوطن من أجل الحصول على العملة الصعبة! قد لا نستغرب أن يحدث ذلك في الدول الفقيرة، ولكن أن يحدث في دول غرب أوروبا، فهذا أمر مستبعد!
نُشر قبل أيام خبر عن موافقة قرية راسكويرا - واحدة من أكثر مناطق إسبانيا جمالاً - على تأجير قطعة أرض لإنتاج المارجوانا أو القنب (نوع من المخدرات) لسداد ديونها، وأشار رئيس البلدية إلى أن المشروع سيعود بالفائدة على سكان القرية وسيقضي على الجريمة المنظمة ويحد من التهرب من الضرائب.
لا يقتصر الأمر على زراعة المخدرات، ولكن قد تلجأ بعض الدول لبيع الأرض للأجانب لحل أزماتها المالية، وهذا ما أقدمت عليه روسيا القيصرية - كما تعرفون - ببيع ألاسكا للولايات المتحدة في القرن الـ 19 مقابل سبعة ملايين دولار فقط! فهل ستضطر اليونان - على سبيل المثال - لبيع بعض الأراضي للمستثمرين لسداد ديونها؟!
إذا كان تأجير الأرض لزراعة المخدرات يُطرح للمناقشة في دولة متقدمة، فإن هذا يجعلنا نتفهم لجوء المزارعين في الدول الفقيرة إلى زراعتها، وكذلك إقدام بعض الأشخاص على ترويجها وبيعها! وينبغي أن نستلهم العبرة ونتعلم من ذلك درساً مفاده أن حل كثير من المشكلات الاجتماعية في مجتمعنا، وعلى رأسها الفقر، يتطلب فهم جذور المشكلة ومعالجتها بدلاً من معالجة الأعراض وتسكين الآلام فقط. فهناك تناقض في مجتمعنا ما بين وجود فقر وبطالة من جهة، واعتماد شبه كلي على الأيدي العاملة الأجنبية من جهة أخرى، الأمر الذي يشجع تدفق مزيد من الوافدين الأجانب (بشكل نظامي أو غير نظامي) ليقوموا بأعمال تراوح بين المقاولات وملكية المؤسسات والمحال التجارية (علناً أو تحت ستار)، إلى جانب الأعمال المهنية البسيطة المتنوعة.
نخلص إلى أن الفقر آفة تجبر الإنسان على التخلي عن قيمه وتعاليم دينه، مما يشكل خطورة كبيرة على المجتمع، وهذا ما تعانيه مجتمعاتنا. لذا فإن الحاجة ماسة للنظر في أسباب الفقر بجدية وفهم جذور المشكلة في بلادنا بعمق، بدلاً من معالجة الأعراض باستخدام المسكنات المؤقتة التي قد لا نستطيع الاستمرار في تقديمها في المستقبل! إن المعالجة الحقيقية تكمن في تنمية الإنسان السعودي وتمكينه تعليمياً وثقافياً واجتماعياً وصحياً من خلال استراتيجية فاعلة و''معلنة''. لا بد أن تقوم مثل هذه الاستراتيجية على تشخيص الخلل في المهارات وقيم العمل واحترام الوقت والعمل على تنمية الإنسان بالاعتماد على برامج مخلصة تبدأ بالتعليم والأسرة مروراً بالإعلام، من أجل بناء الإنسان ورفع مستوى قدراته، ومن ثم إسهامه الفاعل في التنمية لحل التناقض المخل، المتمثل في ''ارتفاع معدلات البطالة والفقر مع وجود ملايين الوافدين''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي