الميزانية الحكومية لعام 2012 .. وانعكاسها على سوق الأسهم السعودية

يعمل سوق الأسهم السعودي كرافد رئيس في تمويل عمليات التنمية في الاقتصاد الوطني، وقد استحوذ هذا الرافد على اهتمام الجهات الرسمية خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه يعمل بحساسية مفرطة لأي مستجدات بالسوق العالمي؛ ولهذا تأثر سوق الأسهم المحلي تأثراً شديداً منذ بداية ظهور تأثيرات الأزمة المالية العالمية في البورصات العالمية في 2008، واستمر بالتذبذب منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وبناء على ذلك فقد السوق ثقة الكثير من المتداولين نتيجة الخسائر التي لحقت بهم.
لقد تم الإعلان عن ميزانية سنة جديدة توضح وقائع الميزانية الفعلية لعام 2011م ومعالم الميزانية المخططة للسنة المقبلة 2012م. ومن المتوقع بإذن الله - كما أعلن - أن تحقق الميزانية الحكومية الفعلية لـ 2011م فائضا فعليا بمقدار 306 مليارات ريال، رغم زيادة الإنفاق الفعلي لـ 2011م على ما خطط له من 580 مليار ريال إلى 804، أي أن مقدار الزيادة هو 224 مليار ريال وهو أكبر إنفاق فعلي تشهده المملكة. كما تم الإعلان عن الإنفاق المخطط للميزانية المقبلة لـ 2012 الذي يبلغ 690 مليار ريال سعودي وهو أكبر إنفاق مخطط في تاريخ المملكة، ويعتبر هذا الإنفاق هو الحد الأدنى للإنفاق الحكومي للسنة القادمة، حيث جرت العادة في السنوات الأخيرة بتجاوز الإنفاق الفعلي الإنفاق المخطط. كما أن الإيرادات المتوقعة تبلغ 702 مليار بمعنى أن الفائض المتوقع هو 12 مليارا.
إن هذا الفائض الفعلي الكبير عام 2011 سيضاف إلى الفوائض المالية السابقة مما يعطي قوة اقتصادية مستقبلية وتصنيفا ائتمانيا متميزا للحكومة. والإنفاق الحكومي التاريخي التوسعي للعام المقبل (المقدر بـ 690 مليارا) سيعطي درجة عالية من التفاؤل والثقة بالاقتصاد السعودي رغم الوضع العالمي المتقلب. وستعمل الميزانية الحكومية على عمل كافة التدابير الوقائية التي تساهم في صيانة الاقتصاد الوطني من حدوث أي تداعيات سلبية أو طوارئ غير متوقعة نتيجة لتطور الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة من خلال تهديدها الدول التي تعاني أزمة المديونية العالمية، وذلك من حيث السعي لاستخدام بعض من النفقات المالية الحكومية المتاحة لتعزيز أوجه الإنفاق الرأسمالي الاستثماري. وهذا بلا شك سيولد طلبا متزايدا على قطاعات المقاولات والبناء والتشييد والأسمنت وغيره مما يحتاج إليه في تعزيز البنية التحتية للاقتصاد السعودي.
لا شك أن مثل هذه الميزانية ستؤتي ثمارها بإعادة شيء من الثقة بسوق الأسهم السعودي بحول الله، وذلك لأن الفائض الفعلي يعتبر فائضا كبيرا ولا سيما في ظل الإنفاق الفعلي غير المسبوق، مما يُعدّ رافداً قوياً للميزانيات المقبلة - بإذن الله - في المستقبل.
إن زيادة الإنفاق الحكومي في المملكة هي دعم للسيولة في الاقتصاد السعودي حيث إن أغلب الإنفاق الحكومي يمول عن طريق إيرادات البترول المباع في الخارج. وهذا يعني تدفق سيولة جديدة في الاقتصاد، تسهم في بث روح التفاؤل، وتدعم الاستثمار، وتنشط عمل البنوك في أداء الوظائف المنوطة بها وخصوصا في دعم سوق الأسهم بالسيولة.
ويمكن القول إن هناك عدة عوامل منبثقة من الميزانية يمكن أن تعمل على زرع الثقة والتفاؤل في تحسن وضع سوق الأسهم السعودي وهي:
1- فائض الميزانية المستمر لعام 2011 عامل دعم واطمئنان للمستقبل ورافد قوي للميزانيات المقبلة عند الحاجة إليه ولا سيما وموجودات مؤسسة النقد تجاوزت تريليونين.
2- الزيادة في الإنفاق الحكومي المخطط للعام المقبل إلى معدلات تاريخية تبث روح التفاؤل وتحفز الطلب الكلي وخصوصا زيادة الطلب على منتجات الشركات المحلية، كما ستخلق فرصا وظيفية جديدة تستوعب جزءا من العمالة العاطلة.
3- إن للميزانية الحكومية تأثيرا نفسيا إيجابيا في السوق ككل بسبب أن الإنفاق الحكومي هو القائد الرئيس للنمو الاقتصادي.
4- انخفاض الدين العام إلى نحو 135 مليار (نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي). وهذا المعدل لا يشكل قلقا أو زعزعة في الملاءة المالية للدولة، ولا سيما أنه دين محلي ولا يشكل إلا نسبة ضئيلة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي السعودي، بل والفوائض المالية الحكومية المتراكمة تفوق هذا الدين بعشرات المرات. كل هذا دليل على قوة الاقتصاد وعلامة مهمة على سلامة الموقف المالي للاقتصاد في المملكة.
5- تتأثر بعض القطاعات بشكل مباشر بالميزانية الحكومية لتولد طلب متزايد على منتجات هذه الشركات والتي منها قطاع البناء والتشييد وقطاع الأسمنت.
6- تزايد تدفقات السيولة للقطاع البنكي مع تزايد الإنفاق المخطط لعام 2012، وكذلك سداد جزء من الدين العام. ولا شك أن ذلك سيزيد من معدل السيولة المتدفقة لدى البنوك وسيجعلها تبحث جيدا عن منافذ وقنوات استثمارية أخرى. إن هذا التوسع المستمر في الإنفاق الحكومي يجب أن يشعر به المواطن في تحسين رفاهيته من جوانب شتى وخصوصا من خلال تحسن خدمة التعليم والتدريب والصحة والإسكان وخلق فرص عمل تستقطب العاطلين عن العمل وتحولهم من عالة على الاقتصاد إلى دعم وبناء الاقتصاد بالقيام بالدور الإنتاجي المنوط بهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي