موازنات الخير ودور وزارة التخطيط المنتظر في رفع الفاعلية والكفاءة

رأيت في اختيار الدكتور محمد الجاسر وزيرا للاقتصاد والتخطيط توجها لتفعيل هذه الوزارة التي طالما نادينا بتفعليها لتلعب دورها التخطيطي المنشود، وسبب ذلك أن الدكتور الجاسر خبير اقتصادي ومالي وذو علاقة وثيقة بالمؤسسة المالية في بلادنا بكافة مكوناتها، إضافة للمؤسسات المالية الدولية، وبالتالي فإنني أتوقع قدرة كبيرة على التخطيط الإداري والمالي وتفعيل هذه الخطط بأقل درجة من العوائق، وبالتالي أتوقع تحول كبير في درجة فاعلية وكفاءة موازنات الخير والتي رغم تزايدها سنويا منذ عام 2004 تقريبا إلى الآن، إلا أنها لم تحقق طموحات وتطلعات عموم المواطنين، خصوصا من جهة الخدمات الأساسية ومن جهة مواجهة ارتفاع أسعار الخدمات والمنتجات بشكل متصاعد.
ومن مظاهر عدم الرضا اخترت بعض الردود على خبر الموازنة في بعض الصحف والتي سأنقلها بتصرف، حيث يقول أحدهم مشاريع الأعوام السابقة لم تتم ولم تستكمل ومشاريع السنة الجديدة ستتم بعد خمسة أعوام فأين تذهب المليارات التي لم نرها على أرض الواقع؟.. فمشاكل البطالة والإسكان والطرق المهترئة والحفر ما زالت قائمة، ويقول ثانٍ لدي قناعة لو أن الموازنة 400 مليار فقط لكفت لو عمل الجميع بأمانة وذمة وضمير في تخطيط وتنفيذ المشاريع، ويقول ثالث ما لم تقترن الموازنة بالواقع الذي يعيشه المواطن، وتلامس حياته فإنها مجرد أرقام يقرأها في الصحف، ويقول رابع أرقام قياسية مقابل غلاء أسعار ورواتب تخلص نص الشهر وتعليم بمخرجات ضعيفة وصحة تعجز عن توفير سرير وموعد في الوقت المناسب ودواء فعال، وبطالة وأزمة سكن.
خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه - وولي عهد الأمين يوجهان بشكل مستمر بتفعيل الموازنات لتحقيق طموحات وتطلعات المواطنين، وآخر ذلك توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - أصحاب السمو والمعالي الوزراء بالعمل بجد وإخلاص لتنفيذ بنود هذه موازنة عام 2012 عقب إعلانها على الوجه الأكمل الذي يحقق راحة ورفاهية المواطنين في كل مجالات الحياة''.
وبالتالي فنحن أمام إنفاق قياسي غير مسبوق مقرون بضعف في درجات الرضا وكأن هناك حالة فصام بين حجم الإنفاق ووصول مخرجات هذا الإنفاق بشكل مُرضٍ إلى المواطن الذي يتطلع للحصول على المسكن الملائم بالوقت المناسب، والوظيفة الملائمة بعد الدخول في سوق العمل، والعلاج المناسب في الوقت الملائم لما يعانيه من مرض، والتعليم الذي يصنع منه مواطنا مؤهلا للحياة ولسوق العمل، وفي الوقت نفسه نحن أمام توجيهات سامية للعمل الجاد والمخلص لتحقيق رفاهية المواطنين في مجالات الحياة كافة، كما أننا أمام جدلية بشأن فاعلية وكفاءة الإنجاز لغياب مؤشرات الأداء الواضحة والشفافة التي تبين الجهات المنجزة ودرجة إنجازها وتلك المتقاعسة ودرجة تقاعسها وانحرافها عن تحقيق أهدافها.
يقول الكثير من المختصين والجهات الرقابية التي أعلنت فشل بعض الأجهزة الحكومية في إنجاز مشاريعها المعلنة في الوقت المحدد أن هذا الوضع وما يترتب عليه من مشاكل يعود لضعف التخطيط وضعف مهارات إدارة المشاريع وفق أحدث الأساليب الإدارية، ويشير الكثير أيضا إلى ضعف وزارة الاقتصاد والتخطيط في هذا الجانب مقابل قوة وزارة المالية التي تتلقى الخطط من الوزارات وتعدل عليها بناءً على ما هو متاح من أموال مرتبطة بشكل رئيس بإيرادات النفط، ومن ثم توافق عليها لتقوم بالصرف على مراحل المشروع بدون مؤشرات أداء إدارية قياسية دقيقة وعلمية، وباختصار ترى النخب الاقتصادية والمالية والفكرية بشكل عام أن هناك تداخلا في المهام بين وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط في ظل غياب خطة استراتيجية معلنة بشقيها الموضوعي والتشغيلي المُزمّن ومعايير ومؤشرات قياس الأداء.
وإذا كان الأمر كذلك فإني أعتقد أن دورا كبيرا للوزير الجاسر ينتظر لتحقيق التعاون والتكامل الأمثل بين وزارته وبقية الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية التنفيذية ووزارة المالية بما يحقق فاعلية وكفاءة موازنات الخير المتزايدة بفضل من الله سنويا، وهو دور رغم صعوبته فإننا نتوقع من الوزير الجاسر النهوض به على أكمل وجه؛ لما يتمتع به من خبرات محلية ودولية وعلاقة وثيقة بالمؤسسة المالية في بلادنا وما يجده من دعم كبير من القيادة الكريمة التي تكررت نداءاتها وبشكل سنوي لاستثمار هذه الموازنات لتحقيق طموحات وتطلعات المواطنين.
أتوقع كما يتوقع غيري من النخب أن نرى حراكا كبيرا وغير مسبوق يقوده الوزير الخبير الجاسر في وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتعاون مع شركائها في الأجهزة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني مثل مجلس الغرف التجارية والصناعية وغيره من خلال المنتديات والمؤتمرات وورش العمل والندوات والدراسات والبحوث لإعداد خطة استراتيجية بشقيها الموضوعي والتشغيلي المزمع للوصول للفاعلية المنشودة والكفاءة المثلى التي تقدم مخرجات تلبي طموحات وتطلعات المواطنين في مجالات الحياة كافة.
ختاما، نتطلع جميعا لأن نستثمر الإيرادات المالية الكبرى وما بني عليها من موازنات سخية في تحقيق التنمية المستدامة المنشودة التي تدعم التنمية الشاملة والمتوازنة، وهو أمر يتطلب تفعيل التخطيط وجميع المهارات الإدارية والمالية وفق أحدث المنهجيات والنظريات في هذين المجالين، وكلنا ثقة أن يلعب الوزير الدكتور محمد الجاسر دورا كبيرا في تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين - حفظهما الله - ليتحقق الانسجام المنشود بين حجم موازنات الخير ورضا المواطنين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي