تجارة العيون «بزنس» 1-2

عندما تتحول المؤسسة الصحية إلى مشروع تجاري بحت حتما ستفشل لسبب رئيس لأنها غادرت وظيفتها الحقيقية، تلك الوظيفة ذات الطابع الإنساني والراقي وعالم الأيدي الرحيمة التي تشعر الإنسان بأنه إنسان وليس مشروعا استثماريا يتم الاقتصاص منه، وللأسف اليوم يعمل الطبيب كمسوق ويجتهد في إقناعك بقضايا تسويقية ليست من صميم عمله، يقدم لك عروضا وخصومات تكتشف أنك أصبحت أمامه سلعة وهو تاجر متذاك، لا بل تخرجه عن نطاقه وعن الصورة الجميلة التي ما زلنا نعيشها.
بالأمس كنت قد غادرت وطني السعودية إلى دولة خليجية مجاورة لعلاج في العيون، وكنت مرافقا ولست مريضا ولله الحمد والمنة، واطلعت من كثب كيف أن الدعاية قد لا تعكس الحقيقة والواقع ربما تكون التجهيزات والمبنى على درجة عالية من الفخامة (الفندقية)، لكن ما يعني المريض هو الطبيب والعلاج والمهنية العالية والتكلفة، قد تضحي بالتكلفة للحصول على العلاج الحقيقي، لكن المشكلة أن تصدم أن بعض هذه المستشفيات الخارجية تجارية وليست مهنية.
الكثير من الأطباء تحول إلى تاجر و"بزنس" يعمل لمصلحة المستشفى الذي يعمل فيه أو لشركات الأدوية التي يتعامل معها، يصرف لك أدوية لست في حاجة إليها ولا تفيدك بقدر ما تسبب الضرر لك، وبعضهم يستغل جهلك ويحمل عليك مزيدا من الطلبات التي تجهلها ولا تكون بحاجة إليها، والمؤسف أن هذه العمليات كشفت عن الوجه القبيح والمتوحش، والاستغلال المادي بأبشع صوره، فقط لأن المشروع الطبي والعيادي أصبح ينظر إليه من باب كم سيتحقق من أرباح مادية، وأصبح الطبيب يقسط عليك معرفته بالقطارة كي تعود إليه ثانية وثالثة أو مرات عديدة.
هذا النمط من التجارة يرفضه كبار اللإخصائيين المخلصين في بلادنا وفي بعض مستشفياتنا السعودية، ولهذا ظلت هذه الأسماء كبيرة، لأنها أقسمت أن الطبيب هدفه إنساني وليس تجاريا، صحيح أن العالم تغير والعلم تطور وإمكاناته تضخمت وإداراته أصبحت كبيرة ومكلفة، لكن أن يرخص الإنسان وأن ينظر إليه كهدف تجاري وربحي ومادي، فهذه مشكلة يجب التنبه لها خاصة من المشرفين على الطب في بلادنا.
في أمريكا وأوروبا والدول المتقدمة الأخرى تستشعر أهميتك كإنسان وأنت في المستشفى وأنت أمام الطبيب وأنت تجري عملية جراحية بسيطة أو معقدة، لكنك في بلادنا تخاف وتخشى بعض المؤسسات التجارية التي تسمى زورا مستشفيات أهلية بالنظرة الربحية، وهذه لا تشمل المريض والمراجع فقط بل تشمل أيضا الأدوية والمستلزمات الطبية أيضا وتشمل الكادر الطبي، فبعض الأطباء - هداهم الله - اختصر الطريق وأصبح مؤمنا باقتصاد السوق، ومؤمن بسياسة إدارة المستشفى التجارية أكثر من الهدف الطبي والمهني.

المزيد من الرأي