تفكيك المنطقة.. المشروعان الإسرائيلي ـــ الإيراني!

■ تطور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وتسارع الأحداث وسباق المصالح بدأ يستدعي عدة سيناريوهات للمنطقة، وما يطرح لا يبدو بعيد المنال والتحقق، فنحن في مرحلة تحول تاريخي، من ملامحها توحش اقتصادي استثماري، و(قطط سمان) تحولت إلى نمور، وانسداد في الأفق السياسي، مع ظهور أجيال جديدة مهددة في وجودها وهي تستجيب بقدر هذا التحدي الوجودي.. إنه الشرق الأوسط ساحة الصراع والاستقطاب التقليدية عبر التاريخ.
ثمة سيناريو يروج له أصدقاء إسرائيل وحلفاؤها وهو ضرورة عودة الشرق الأوسط إلى حالته التاريخية السابقة، وذلك حتى يتجنب الصراع والحروب، أي عودته إلى صورة الدول الصغيرة التي تحوي تجانسا عرقيا أو مذهبيا، وأصحاب هذا السيناريو يقولون إن العداء التاريخي التقليدي لن يزول مع استمرار الكيانات السياسية الحالية، فالأفضل أن يتم الفرز السياسي والجغرافي حتى تتمكن الشعوب من العيش بسلام بعيدا عن الحروب، وهذه الدعوة الباطلة تقدم للغرب على أنها: دعوة حق!
هذه الدعوة الخطيرة يتم تسويقها الآن على النخب في أوروبا وأمريكا، أما الشعوب الغربية فهي مغيبة عن تفاصيل الصراع، والمشكلة في المنطقة قدمت لها بصورة صراع بين الخير والشر.
الخير تمثله إسرائيل، والشر يمثله العرب والمسلمون، وقد عمل اليهود بذكاء وإخلاص في العقود الماضية على إنشاء هذه الصورة الذهنية، وقد نجحوا مع الشعوب الغربية، لذا يبذلون جهدهم الآن لاحتواء وإقناع النخب الفكرية والسياسية والاقتصادية، خصوصا في أوروبا، أما أمريكا فأصدقاء إسرائيل لهم تأثيرهم القوي على صياغة السياسة الأمريكية في المنطقة والكونجرس الآن يقف بقوة ضد الرئيس لإفشال جهوده لإقامة دولة فلسطينية.
تفكيك المنطقة يخدم الأمن القومي الإسرائيلي بدون شك، بالذات في الحقبة القادمة التي ستكون من إفرازات المرحلة الحالية التي ذكرنا ملامحها في بداية الحديث، وإسرائيل قد لا تحصل على أنظمة سياسية تلتقي مع مصالحها، كما هو الحال في سورية، ألم يقل رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد لصحيفة الـ "نيويورك تايمز": "استقرارنا كنظام يرتبط باستقرار إسرائيل"؟!
أيضا إسرائيل قد لا تضمن التحولات السياسية في الوعي الشعبي الغربي، فالأزمة المالية العالمية، بالذات في أمريكا واتضاح تورط المؤسسات المالية والتجارية المحسوبة على اليهود قد توجد حالات صدام جديدة، واليهود عبر تاريخهم المرير في أوروبا عبر القرون الماضية تطورت لديهم الحاجة إلى الحراك السياسي والاقتصادي وسرعة المبادرة، لذا من مصلحتهم أن تقوم كيانات سياسية صغيرة في ظل تفوقهم العسكري والاقتصادي، هكذا هي بعض حساباتهم السياسية.
الخطير أن هذا السيناريو الإسرائيلي، يلتقي مع أطماع إيرانية صفوية قومية لتوسيع نفوذها في المنطقة، ومن مصلحة إيران للمضي بهذا المشروع أن تقوم كيانات صغيرة جديدة بالذات في الجزيرة العربية. إيران لديها قصة نجاح بعد ضمها للعراق واحتوائه والسيطرة عليه، بعد أن سهلت لها أمريكا المهمة، وسورية طبعا حليفها القوي جاهز في ظل النظام الحالي لإتمام هذا السيناريو.
ما حدث في العراق هو الذي يقدم الدليل السياسي الواقعي على إمكانية نجاح المشروع الإيراني، فالغرب الذي حقق المشروع الإيراني في العراق، لماذا لا يحققه في أماكن أخرى؟!
الذين يتبنون هذا التحليل يرون أن القوى العظمى عبر التاريخ عادة تلجأ إلى تمكين الأقليات ودعمها وإعطائها الشرعية السياسية التي تحتاجها، لأن هذا يسهل السيطرة عليها عبر تحقيق مطامحها وتطلعاتها، وبالتالي السيطرة على الأغلبية. والذين يتبنون هذا التصور يقدمون أيضا الأدلة والشواهد التاريخية من حالات الصراع التي مر بها الشرق الأوسط في القرنين الماضيين ما زالت حاضرة وربما تدعم هذا التصور.
السؤال: كيف سيكون موقفنا من هذه الاحتمالات السياسية.. كيف نستعد للسيناريو الأسوأ، وهل نحن نفهم التاريخ جيدا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي