ويتواصل تدفق الخير بين يدي الملك الإنسان

قد يمتد المديح للمسؤول ويتجاوز حدود المعقول خوفا منه أو رغبة في شيء مما في يده، وأرجو ألا يكون هذا من شيمنا، لكن حينما تقف أمام خادم الحرمين الملك عبد الله هذا الرجل النادر والإنسان الرائع أو تشاهده يتحدث عبر التلفاز فالأمر يختلف؛ إذ لا تملك إلا أن تمدحه وتثني عليه وتدعو له من أعماق قلبك أن يمد الله في عمره ويمتعه بالصحة والعافية ويعينه على إكمال مسيرة الإصلاح والتغيير والتطوير لهذا البلد الكريم، ملك عظيم في أجمل حلة من حلل التواضع اعتاد على فتح أبوابه لأبناء شعبه يستقبلهم في كل أسبوع يسمع شكاواهم ويحل مشاكلهم، ولعلنا لا ننسى تلك الصور العظيمة قبل سنوات وهو يتجول في بعض بيوت الفقراء ويواسي أحوالهم وهو يخالط بعض الجمهور في الأسواق، وفي العديد من المناسبات التي يدشن أو يفتتح فيها المشاريع الوطنية، كلماته البسيطة في ألفاظها الصريحة في عباراتها تتجاوز آذانك لتتغلغل في أعماق قلبك .. لأنها ببساطة كلمات تخرج من القلب لتصل القلب.
حينما تستعرض سيرة الملك عبد الله وتتأملها منذ أن كان وليا للعهد وحتى الآن تتيقن أن قرارات الخير التي أصدرها الجمعة الماضية إنما هي تكملة لخطوات الخير والإصلاح الممتدة منذ توليه الحكم وليست وليدة اللحظة، وإن كان للأحداث الجارية حولنا تأثير في تسريعها أو توسيعها بهذا الشكل فهذا بطبيعة الحال عين الحكمة في معايشة الواقع وسرعة لجم الفتنة وردم أسبابها لا بالقوة والفتك بالشعب وظلمهم وسلب حرياتهم وإرادتهم كما يفعل بعض من أعمتهم السلطة فأطغتهم وغلفتهم بجنون العظمة فنسوا أن الله حق وأن ما عندهم وإن عظم إلى زوال، إنما بالإصلاح وفتح أبواب الحوار والرفق؛ تأسيا بأعظم قائد بنبينا محمد - عليه الصلاة والسلام؛ إذ خاطبه الله تعالى مؤدبا ومعلما: ''فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ'' (159) آل عمران، ثم بتوصيته - عليه السلام - لأمته بالرفق: ''مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ''، هل هناك أروع من أن ترى الملك وهو يأكل على المائدة نفسها في مناسبات لا تنقطع مع ضيوفه من أبناء شعبه غنيهم وفقيرهم وهو يخاطبهم ويمازحهم حتى وهو يعاني المرض فيقول عن حالته الصحية ''.. ناس يقولون إنها انزلاق، وناس يقولون إنها عرق النساء.. النساء ما شفنا منهن إلا كل خير!!''، ثم إذا لم يستطع القيام لمصافحة الضيوف، رغم أنه معذور، يعتذر في خلق جم''.. وأنا أعتذر للجميع لأني لم أستطع القيام للسلام عليكم فردا فردا''، ما أعظمها من مفارقة حينما أقارنها بما سمعته من أحد وزراء القذافي السابقين في إحدى القنوات الإخبارية وهو يقول إن القذافي نادرا ما يجتمع بوزرائه، وإنما يعطيهم التعليمات عبر الهاتف، وإن اجتمع معهم جلس على أريكة فارهة أو كرسي فخم وأجلسهم على كراسي بلاستيك ليُبرز عظمته أمامهم!! وكذلك حينما أقارنها بالفقر والجوع والبطش والظلم المتعمد الذي عيّش فيه القذافي أبناء ليبيا الأحرار لأكثر من 40 عاما رغم الثروات والإمكانات لهذا البلد العظيم.
لقد كان الملك - حفظه الله - يُدرك منذ بداية عهده أن أعظم التحديات التي في طريق الإصلاح والتطوير تتمحور حول الإسكان والفقر والبطالة وضعف مخرجات التعليم والتدريب، وتعزيز الحوار بين المواطن والمواطن وبين المواطن والمسؤول والفساد الإداري والمالي؛ لذا فقد بدأ عهده الميمون بالتوجيه ببعض مشاريع الإسكان للمحتاجين ودعم برامج الابتعاث إلى أعرق الجامعات حول العالم (تجاوز العدد حتى اليوم 106 آلاف مبتعث) ورفع رواتب الموظفين، ودعم برامج التدريب والتوظيف عبر صندوق الموارد البشرية، ثم تطوير الجامعات وزيادة أعدادها وتوزيعها على المدن والمناطق وتشجيع الاستثمار وبناء المدن الاقتصادية، إلا أن هذه الخطوات المباركة قد قُوبلت بجشع بعض ضعاف النفوس من التجار وكبار رجال الأعمال والمسؤولين فرفعوا أسعار المواد الاستهلاكية والعقار بشكل جنوني، وبدأت بعض مظاهر الفساد تُفسد أو تُؤخر إنجاز بعض المشاريع الحيوية، وفي مقابل هذه التحديات يستمر الصمود وتزداد العزيمة فيأمر الملك - حفظه الله - برفع الرواتب مرة أخرى بنسبة غلاء المعيشة وبتشكيل لجنة محاربة الفساد وغيرها من الخطوات، ثم ها نحن نبتهج بقراراته الأخيرة الشاملة والجريئة لدعم الإسكان ومحاربة الفقر والبطالة وترسيخ الأمن ومحاربة الفساد عبر إنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد بكل أشكاله المقيتة المالية والإدارية، ودعم الفضيلة وتعزيز مبادئ الدين والخلق النبيل عبر دعم ترميم المساجد ودعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجمعيات الخيرية، ثم بالتأكيد على احترام العلماء ومبادئ الفتوى الشرعية.
هذا غيض من فيض يا أبا متعب فشكرا لك ثم شكرا، ففي الحديث ''لا يشكر الله من لا يشكر الناس''، وهنيئا لنا ولهذا الوطن بك مليكا وفيا وأبا رحيما، والقادم - إن شاء الله - معك أجمل، ونحن دوما معك ومن خلفك جنود أوفياء لهذا البلد الطيب المعطاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي