قراءة في خطاب الإرهاب - العمليات الانتحارية نموذجا (1)

كيف نقرأ؟ هذا سؤال أثاره هذا العمود مرارا وتكرارا، وإن كان كاتبه قد حاول قراءة آيات قرآنية لا عن طريق التقليد والتبعية لعقل الآخرين بل عن طريق التحريض العقلي المعاصر، فإنه لن يتورع في تقديم قراءة نقدية لخطاب الإرهاب رغم ما قد يتخلل تحليل كهذا من مخاطر. أي خطاب يجب علينا قراءته من ناحية التحريض العقلي. وإن قلت إنني تعلمت كيفية القراءة النابعة من إعمال العقل وتشغيله من الذكر الحكيم لم يصدقني البعض.
قلنا سابقا إن القرآن يدعو المؤمنين بقدسيته إلى التحريض العقلي من خلال استخدام أساليب لغوية ترقى إلى انتقاد لا بل توبيخ الإنسان الذي لا يشغل العقل الذي منحه الله له ضمن مكانه وزمانه. انظر المرات العديدة التي ترد فيها عبارات مثل "أفلا تعقلون" و"أفلا تتفكرون" و"أفلا تتقون" و"أفلا تتذكرون" و"أفلا تبصرون" و"أفلا يسمعون" و"أفلا يشكرون" و"أفلا يؤمنون" و"أفلا يرون" ، التي من خلالها يطلب الذكر الحكيم من السامع أو القارئ إشغال عقله أولا قبل أن يقبل أو يؤمن أو يقتنع بقدسيته ورسالته. في الحقيقة ترد عبارة "أفلا تعقلون" بصيغتها التوبيخية ثلاث عشرة مرة.
ولنقرأ خطاب الإرهاب الذي هو في مجمله خطاب من جانب واحد، بعبارة أخرى أن الغرب المسيحي لا ناقة له ولا جمل في العمليات الإرهابية. واستطاع هذا الجانب في غفلة من الزمن إلصاق تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين. وفي غفلة من الزمن أيضا قبل الكثير من أصحاب الشأن من السياسيين والكتاب والصحفيين العرب والمسلمين التهمة هذه وبدلا من تحليلها ألصقوها بفئات محددة من بني قومهم ودينهم دون قراءة متأنية نابعة من التحريض العقلي الذي يدعو له القرآن: "أفلا تعقلون".
والقراءة التي سأقدمها لخطاب الإرهاب هي ملخص لسلسلة محاضرات بدأت بإلقائها في السويد على طلبة الإعلام والصحافة وبعض الكنائس من ضمنها الكنيسة اللوثرية، التي يتبعها أغلبية السويديين. وآمل أن تسنح لي الفرصة لإلقائها في أماكن أخرى، وسأضمها في فصل منفصل في كتاب أنا منكب على تحريره حاليا حول "النزاهة والإعلام" ، الذي سيصدر باللغتين الإنجليزية والسويدية في آن واحد.
شيئان لا يقبل بهما الغرب عند مناقشة خطاب الإرهاب. أولا، يرفض الغرب تقديم تعريف محدد للإرهاب، وهذا يتنافى مع العلم والعقل والمنطق والتجربة ـــ الأمور التي يتبجح بها الغرب دائما، كل ظاهرة في الدنيا لها تعريف، لماذا ليس لدينا تعريف خاص للإرهاب؟ ثانيا، يرفض الغرب قراءة الإرهاب ضمن زمانه ومكانه وبيئته وسببه ومسبباته. وهذا أيضا يتناقض مع كل النظريات المعرفية والوجودية التي من خلالها بنى الغرب نفسه وحضارته ورمى عن كاهله ثقل القراءات التوراتية والإنجيلية التي كان كبار الكهنة واللاهوتيين يفرضونها عليه.
وكي لا يقال إن القراءة هذه من بنات أفكار كاتب مشهود له بالدفاع عن المسلمين وقرآنهم، وقع بصري قبل يومين من خلال الشبكة العنقودية على دراسة حديثة أعدها أساتذة جامعة شيكاغو الأمريكية عن الإرهاب. في هذه الدراسة، التي سأكتب عنها بالتفصيل لاحقا، يحلل هؤلاء الأساتذة أكثر من 2200 عملية انتحارية في العالم منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي. تستخلص الدراسة أن 98 في المائة من هذه العمليات سببها الاحتلال الأجنبي ولا سيما لأراضي العرب والمسلمين في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان. ابتدأت في لبنان عندما شنت المقاومة الإسلامية هناك عمليات انتحارية جريئة وبطولية (كل من يقاوم الغزو الأجنبي لبلده بطل أمريكيا كان أو سويديا أو عربيا أو غيرهم) قتلت أكثر من 200 جندي من مشاة البحرية الأمريكية وأكثر من 50 جنديا فرنسيا. وعلى أثرها لملم الغزاة بساطيلهم وولوا هاربين. واستخدمت المقاومة اللبنانية الأسلوب ذاته ضد الغزاة الإسرائيليين بعد احتلالهم جنوبي لبنان في عام 1982.
واستخدمته المقاومة العراقية ومرغت أنف أعتى قوة غازية في التاريخ التراب. ويستخدمه الأفغان ومقاتلو نمور التاميل في سريلانكا والفلسطينيون ضد احتلال إسرائيلي وحشي لم يعرف التاريخ له مثيلا. إذا المعادلة بسيطة جدا. إن كنتم قد وضعتم حدا لغزوكم واحتلالكم لأمصار العرب والمسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان لكانت 98 في المائة من العمليات الانتحارية غير موجودة. كم من الأنفس كنا قد ربحنا؟ هذه النتيجة ليست من عندي. إنها خلاصة دراسة علمية أكاديمية قام بها كبار علماء أمريكا أنفسهم. الدافع لـ 98 في المائة من العمليات الانتحارية في العالم أجمع هو الاحتلال الأجنبي. "أفلا تعقلون" و"أفلا تتفكرون" و"أفلا تتذكرون" و"أفلا تبصرون".
إنه الاحتلال الأجنبي، يا أحمق، الذي يلد الإرهاب.
It is foreign occupation, stupid, which breeds terrorism.
وللمقال تتمة
وحتى نلتقيكم مرة أخرى، أترككم في حفظ الله وصونه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي