من الانهيار إلى الازدهار

الجدل مستمر منذ أكثر من عامين .. ولم يتم الاتفاق على موضوع «فاتورة علاج الأزمة المالية» من يتحمل عبأها .. هل يتم على أساس (فإن من تسبب في الأزمات ينهيها) .. بالقياس على (فإن من فتح البيبان يغلقها .. وأن من أشعل النيران يطفيها)، أم على أساس الوصفة سهلة، ودي وصفة هايلة وملخصها أن فاتورة العلاج يجب أن يتحملها الفقراء والمرضى في (إفريقيا وآسيا) خاصة أن الجائع لا صوت له .. وإذا تحدث فلا مجيب، بل أكثر من ذلك لا يوجد من يسمعه.
لست متشائما، وأيضا لست متفائلا على الرغم من أني أرى أن بعض الاقتصاديين مصرون على حمل السلم بالعرض، فالأفكار الجريئة التي كان يطرحها العالم الاقتصادي كينيز لم تجد الاهتمام الكافي على الرغم من أنها ما زالت تتمتع بالنضارة والحيوية على مر السنين، ويمكننا الاستعانة بها لمعالجة المشكلات التي يتعرض لها العالم في يومنا هذا، مثلما تمت الاستعانة بها لتصحيح أزمة الكساد العالمي الكبير، وللعلم فإن تبعات الأزمة الحالية ستستمر لسنوات قادمة في صور عديدة، كان آخرها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والحبوب, ستتبعها أزمة غذاء ستحول فقراء منتصف إفريقيا إلى أموات، هذا الأمر الذي تدربوا عليه كثيرا، واعتادوا على ما هو أسوأ منه .. فليسامحنا الله.
وإليكم بعض المؤشرات:
• نقلا عن كريستوفر بيساريدس البريطاني المنحدر من أصل قبرصي الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد قوله «إن وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن يخاطر دون داع بالانتعاش الاقتصادي من خلال تخفيضاته الكبيرة في الإنفاق».
• البطالة مرتفعة وفرص العمل قليلة.
• حذر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ أيام قائلا «إن عدم استقرار العملات يهدد النمو العالمي، ودعا إلى تحرك منسق لإصلاح النظام المالي العالمي».
• الأحداث تتوالى منذ الانهيار المالي في عام 2008 وإلى يومنا هذا والتبعات ظاهرة للعيان .. تبعات .. تلحقها هزات، تلحقها أزمات، انتهت بأزمة ديون مجموعة دول اليورو، واليوم صيحات تقشفية من الحكومات الأوروبية مفادها ضرورة إعداد خطط تقشف، وضرورة سحب حزم الحوافز الاقتصادية التي دعمت بها اقتصاداتها بعد الأزمة، وما زاد الطين بلة ما نسمعه من المسؤولين الأوروبيين الذين ينادون بحماية المنتجات الأوروبية، وأيضا تسارع، وتصارع الدول في حرب تخفيض عملاتها بما يتيح لها التنافسية في التصدير.
• كلمات في آذانكم: الأنظمة الاقتصادية العتيقة التي ثبت أن لها عقلاً وليس لها قلب قد أفلست، بل توفيت إكلينيكيا في بعض الدول .. لكن مسؤولي تطبيق تلك الأنظمة لم يعلنوا ذلك، وبلغة والدتي «كافيين على الخبر ماجور»، لكن الجدل مستمر وهذا باد للعيان .. ولن يبوح بذلك أحد من باب الانتظار أو من باب (دع الأمر يأتي من غيرنا)، أو (جارهم ما دمت في دارهم)، وما شابه ذلك.
• الموارد الاقتصادية للقارة العجوز أوشكت على النضوب وبعض اقتصاداتها اقتربت من الإفلاس، أيضا مسلسل إفلاس البنوك الأمريكية مستمر، وآخر الأمر إعلان المؤسسة الأمريكية الاتحادية للتأمين على الودائع إغلاق ستة بنوك أمريكية أخرى ليصل مجمل البنوك التي أغلقت إثر إفلاسها 138 بنكا هذا العام فقط 2010، و حتى هذه اللحظة لا يمكن بناء أي توقعات حول عدد البنوك الأمريكية التي ستعلن إفلاسها، نظرا لوجود اتجاهات متعارضة في التأثير على معدلات الإفلاس بين البنوك الأمريكية، ونضوب بعض الموارد الاقتصادية للقارة العجوز، والتعثر الاقتصادي لأمريكا إلى وجود أزمة ديون لدى بعض الحكومات، وفقدان عدد كبير من الوظائف، وهبوط الائتمان.
أعتذر، فقد أظهرتُ الصورة على حقيقتها لكن أيضا أقول لكم الحقيقة، إن هذا العالم يشهد أيضاً حالة متواصلة من التغيير، وربما يكون على موعد مع تعديلات رئيسة أكبر حجماً، لا سيما أن دول مجموعة العشرين وأيضا دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعمل على استحياء - ولكن بشكل مستمر - لإعادة بلورة الصورة ووضع التصور لأنظمة اقتصادية يكون لها قلب مثلما كان لها عقل .
الحل يكمن في زيادة فرص العمل لكل راغب وقادر، وزيادة الإنفاق على المشروعات الضخمة التي تستوعب أكبر عدد من الأيدي العاملة مثل مشروعات البنية التحتية، لكن السؤال .. هل سنرى تلك النتائج في حياتنا نحن؟ .. لن أغضب إذا كانت الإجابة بالنفي .. فأتعشم أن يحياها أولادنا أو حتى أحفادنا.
بدلا من أن ننفق مليارات الدولارات على عمليات تجميل لأنظمة اقتصادية منهارة أو في طريقها لذلك، التي ستحتاج عمليات تجميلها إلى جبال من السليكون، وحتى لا يقف الأمر على تصور الحقائق في مقالات تكتب بأسلوب نثري .. وأؤكد أنه طالما وجدت الإرادة إذاً هناك حل، وهذا الحل يكمن في توقف الانهيار وبدء الازدهار .. كيف ؟ .. هذا ما ستوضحه المقالة التالية التي سنتطرق فيها إلى الازدهار.

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي