Author

الوقود النووي المستهلك ومصير انبعاث الكربون

|
الوقود النووي المستهلك وكيفية التخلص منه أو دراسة إمكانية استغلاله بالطرق السليمة الآمنة؛ هو من المعطيات البارزة بقوة التي تهم الباحثين والمختصين والمطورين والمسوقين في مجال المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة البديلة النظيفة المفترضة، وهو ما يتم تداوله بالفعل حاليا في أروقة المنظمات والجمعيات والمؤسسات ومراكز الأبحاث العالمية المختصة والمعنية بالطاقة، في محاولة من هؤلاء لطمأنة المتخوفين من المختصين البيئيين والمعارضين والشعوب وكذلك المستثمرين الجدد القادمين بقوة خارج النطاق النووي القديم بوضع التعامل مع الوقود النووي المستهلك وتسويق الاستراتيجيات المستقبلية المتعلقة به. وفي السنوات القليلة الماضية لمسنا ما اتجه إليه ولا يزال العالم الغربي المتعطش لاستغلال المصادر البديلة الطبيعية عوضا عن المصادر الأحفورية ''النفط والغاز'' وكذلك الفحم، في خطوات استثمارية مالية باهظة تأثرت كثيرا بالركود الاقتصادي الأخير، والتي ما برحت نتائجه الوخيمة والمهزوزة قائمة وكامنة، وقد باتت واضحة في تأخر تنفيذ كثير من المشاريع والاستراتيجيات الموجهة لها. ولا يخفى أن هذه المشاريع كانت نتيجة للتوجه البيئي العالمي الذي يتهم المصادر الأحفورية في تسببها أو مساهمتها في الاحتباس الحراري للأرض والتغيرات المناخية وذوبان الجليد في القطبين وارتفاع منسوب البحار نتيجة للانبعاثات الكربونية والنوكس NOx والغازات الأخرى المترتبة عن الاحتراق والتفاعلات الكيميائية في الصناعة وحرق الفحم في إنتاج الطاقة، وقد تمت محاولات وإجراءات تحجيمية أو تقليلية للوضع؛ إحداها المناداة بفرض ضريبة الكربون التي انطلقت قبل فترة ومحاولة تشريعها في مؤتمرات المناخ والبيئة والطاقة للإسهام في الحد من انبعاثه في الكون، وهو ما لم تتمكن وتتوصل إليه لحد الآن تلك الدول المتبنية لسن القانون، نتيجة للصعوبات التي تواجهه في كيفية التقييم والارتباطات التجارية والاقتصادية المتعلقة بمخرجاته، وهناك أيضا محاولات أخرى لكنها تنفيذية نوعا ما وليست متعثرة كضريبة الكربون، تمت بوجود سباق ماراثوني إحصائي وتقييمي رقابي بين الدول الغربية في أوروبا خاصة، من ناحية النتائج المتحصلة من تنفيذ برامج التقنين لانبعاثات الكربون ذات الأهداف الرقمية الاستراتيجية الموضوعة لتحقيق تلك الأهداف، وهي لم تتمكن تماما من أن تملك في الوقت نفسه نجاحا ملموسا في بعض الدول نتيجة للتفاوت التنفيذي والتبني الحقيقي المرتبط بالظروف والبيئات والمواقع، وإن كانت هناك توقعات إيجابية هذا العام من ناحية التقليل في الانبعاثات، ''لكنه مؤقت'' حدث نتيجة الركود الاقتصادي الأخير والذي تسبب في توقف كثير من المصانع وتقليل استخدام الفحم في إنتاج الطاقة، أما النتائج السلبية المحرزة والمتوقعة ومثالها في دولة كبرى ذات ثقل ونظام قوي ألا وهي بريطانيا، التي تتجه التقارير إلى أنها متأخرة ضمن دول أقل منها اقتصادا ونضوجا في تحقيق الأهداف الموضوعة بين الدول الأوروبية، وهي الوصول إلى نسبة 34 في المائة في تخفيض انبعاث الكربون في عام 2020، وعدم تمكنها أيضا تحقيق ما نسبته 15 في المائة من إنتاج الطاقة من المصادر البديلة المتجددة والذرية، بل من المتوقع أن تصل إلى 6 في المائة في نهاية العقد الحالي، وهو ما يزعج الساسة البريطانيين ويعملون على استعادة الوضع واستقراره، لكن في رأيي أنه من الصعب التمكن من تحقيق تلك الأهداف مع البطء الملحوظ في الاستراتيجية البريطانية المتأثرة بالوضع الاقتصادي، والشواهد واضحة في إغلاق كثير من المفاعلات القديمة ذات الجيل الثاني من ناحية الأمان والسلامة، مضافة إلى المطالبة باقتباس السياسة البرتغالية للطاقة المتجددة في تطوير استخدام الطواحين الهوائية بالرغم من اختلاف الأجواء المناخية والتيارات الهوائية القوية والتي تتميز بها بريطانيا عن غيرها. وعودا إلى موضوعنا المهم وهو مصير الوقود النووي المستهلك الذي يشغل كثيرا من المعنيين في القطاع النووي وغيرهم من المتخوفين من تبعاته وكذلك المتوجهين فعلا بإعادة استغلاله كاليابان وفرنسا نظير التوقع بنضوبه في نهاية القرن، فقد أطلقت هيئة الرقابة النووية الأمريكية NRC في 15 من أيلول (سبتمبر) تقريرا مفاده التأكيد من خلال رأي خبرائها بإمكانية الاحتفاظ بالوقود المستهلك على أرض المعامل النووية سواء في أحواض أو براميل جافة، كما أن تقرير الخبراء والمختصين والمهندسين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أوضح وفرة اليورانيوم على الأرض ولن يتأثر بالإنتاج ولو تم بناء 1000 مفاعل نووي خلال هذا القرن، في إشارة إلى تضييع المال في إعادة استغلال الوقود المستهلك كما تتجه إليه فرنسا واليابان، والبديل كما يشير التقرير في إعادة وتطوير المفاعلات التي تعمل بالماء الخفيف، وتوفير وخلق ما يقارب 670 مليون دولار سنويا في الأبحاث لتطوير دورات للوقود عالية الكفاءة في العقود المقبلة. عدة تساؤلات تُطرح مع كل التخفيف الذي يخرج من المنتجين والباحثين الذي يرتبطون ارتباطا وثيقا في استثمارات الأبحاث النووية؛ أولها يكمن في مدى صحة وقوة المعلومات التي تدعي سلامة الاحتفاظ بالوقود النووي لمدد تفوق 60 عاما من عمر المفاعلات والتأكيد بعدم تأثرها بالعوامل الخارجية، وهل التقديرات التي يتم توقعها حاليا في تكلفة المفاعلات وجودة تشغيلها دقيقة مما لم تكن سابقا في الثمانينيات والتسعينيات في سوء التوقعات وازدياد التكلفة المفترضة لإنتاج الكيلو واط من الكهرباء مقابل الاستثمار والتشغيل المستدام دون تعطيل ولا تأخير، لأن ما يحدث على أرض الواقع يخالف كل التوقعات من ناحية التكلفة الحقيقية العالية، ويخالفها أيضا من ناحية الخطورة الكامنة في المفاعلات القديمة والتي ينوي المنتجون تفاديها في الجيل الثالث في متانة الخرسانة الأسمنتية، فهذا يعني أن المفاعلات القديمة ذات وضع مقلق بالرغم من عدم بروز الخطورة بشكل صارخ إلا فيما ندر في تشرنوبيل، وبعض التسربات التي حدثت في أحد الأنابيب الأرضية المشعة إلى المياه الجوفية في مفاعل بولاية فيرمونت الأمريكية، ولهذا قامت بعض الدول كألمانيا وبريطانيا بإغلاق كثير من معاملها النووية تباعا جراء فقدان الاعتمادية بعد الفحص، وأما سؤالنا للذين يقدمون بشراهة وبسرعة في الاستثمار المستقبلي والاستراتيجي في المفاعلات النووية من دول العالم الثالث وغيرهم، يكمن في مدى نضوج الفكرة لديهم في الاستثمار المبني على كل المداخل والمخارج والاحتياطات، وكذلك كيفية التخلص والاحتفاظ بالوقود المستهلك بشكل مأمون، والذي من المفترض أن تكون أموره واضحة وصريحة في العقود المبرمة، في وضع شرط ضمان التصرف به تحت مسؤولية صاحب العلامة والتصريح في التخلص منه خارج الدول المستثمرة، والتوجه إلى التكامل الاستثماري في الطاقة البديلة المتجددة كالشمسية والطواحين الهوائية والتوربينات المائية مع النووية، كما هو منظور ضمن السياسة الحكيمة والمدروسة لدى مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة التي يرأسها ثلة من المحنكين المختصين.
إنشرها