Author

الاستدامة.. مفهوم متغيّر يتعدى الطاقة والبيئة (2)

|
الفارق الزمني القصير الذي توضحه الأحداث المتغيرة والتصريحات المتوالية في عالم الاستدامة المتطور، ويؤكده العدد المشارك من الشركات الكبرى المهتمة بالارتباط باتحاد الاستدامة Sustainability Consortium ''وهو منظمة مستقلة عالمية، أعضاؤها يعملون بشكل تعاوني لبناء الأساس العلمي الذي يدفع الابتكار لتحسين استدامة المنتجات الاستهلاكية''، يعتبر حدثا مهما تتبلور من خلاله متغيرات مستمرة وفوائض معرفية وإبداعية تبادلية متكررة، وإن إقبال أعضاء جدد ذوي مكانة قوية في الساحة العملية وخاصة في مجال البرمجيات في الالتحاق والارتباط به، وهي شركة إس إي بي SAP في انضمامها أخيرا منتصف هذا العام في أيار (مايو) 2010، يعطي زخما قويا مستقبليا لتحديث مفهوم الاستدامة الذي يقصده متبنيه لأغراض نفعية خاصة وعامة، والسعي وراء وضع مقاييس رقابية قوية تفتقدها الساحة الحالية والأنظمة، في تحديد مستويات دقيقة لانبعاث الكربون كأحد جزئيات معنى الاستدامة الحالي شبه المتفق عليه فيما يخص البيئة وسلامة الكون والإنسان المؤدي لتقليص استهلاك الطاقة تباعا، وذلك من أجل تحقيق أعلى معدلات الاستفادة والأرباح أيضا لتلك الشركات المشاركة من خبرات بعضها بعضا، في تطوير العمليات التشغيلية والإنتاجية لها، نظير توظيف تأثير التجارب العملية والنظريات التنموية والإدارية والبرامج المتعلقة بها المطروحة بين الأعضاء. تواترت تصريحات توضيحية لمفهوم الاستدامة من أجل تطويره ودفعه نحو احتواء القصور في معناه التكاملي في أيلول (سبتمبر) عام 2010، أي بعد خمسة أشهر تقريبا عما صدر في نيسان (أبريل) من عام 2010 وقبله في عام 2008 من نتائج للمسح، هي دليل على ما جاء به ستيفين ستوك من أبحاث إي إم آر AMR بعد خروج نتائج مسح الشركات التي قامت به مؤسسته، مفاد البعض من تلك التصريحات يتركز على عدم الاقتصار على البيئة كما أشرنا في المقال السابق، بل تتعداها وصولا إلى إدارة المخاطر في كل خطوة من خطوات سلسلة الإمداد بالتحديد كما يشير بيتر جراف من إس إي بي SAP التي أنتجت الإصدار الخامس من Carbon Impact OnDemand بعد استحواذها على TechniData في نيسان (أبريل) 2010، والذي يعمل على تحليل كامل لدورة مسير حياة المنتج المرتبطة بمفهوم سلسلة الإمداد كما يعلنون ويسوقون في قدرته على القياس والمتابعة، لكنه سيظل قاصرا في حيز محدود من واقع التحليلات المنطقية، في عدم تكامل الرؤية حتى الآن في ضبط الرقابة العالمية بدقة نظير الغموض في المصداقية والالتزام بالشفافية في التقارير المعلنة للرقابة والتقييم، كما أن النظر إلى الثقة التكاملية والاعتقاد بمفهوم موحد للاستدامة في داخل كل منشأة من أفراد وإدارات وأقسام، كما تم تداوله أيضا ضمن التصريحات، هو بيت القصيد والنقطة البارزة نحو التوفيق في الحديث بلغة واحدة مطلوبة وهي الاستدامة، وأن ما هو مرصود تقييميا في زيادة الفوائد التي تصل إلى 38 في المائة للشركات التي تلتزم بالاستدامة وفقا لـ ''داو جونز'' والمؤسسة الوطنية للتعليم البيئي، قد يفتح الطريق نحو توجيه الأنظار إلى تطبيق مفهوم الاستدامة ومحاولة التنسيق والخروج بتعريف موحد يخدم الجميع، ويدعم مراقبة سلسلة الإمداد التي لا تزال في مهدها كما يقول جي جولدن المؤسس المشارك لاتحاد الاستدامة ومدير مبادرة استدامة الشركات في جامعة ديوك، بسبب ضبابية الرؤية في عدم وجود قواعد ثابتة للطريق. من خلال ما تم استعراضه؛ أرى من الأهمية بمكان أن ننظر لواقعنا العملي ونتساءل عن مدى فهمنا لما يدور في موضوع الاستدامة، وعلينا المضي قدما في الاستفادة مع من بدأ ومارس ونضجت ذهنيته، في تقييم أوضاعنا ومعتقدنا والنزول إلى الأعماق التحليلية التي تخدم مستقبلنا ومستقبل اقتصادنا، ونشارك في اتحاد الاستدامة من باب الاستفادة المتبادلة والاطلاع واللحاق بالركب والتدخل في صياغة القوانين التي ستخرج من خلاله، ونؤسس في المقابل اتحادا عربيا أو إسلاميا للاستدامة، يحتوي بيئاتنا ويخرجنا من أزماتنا ومن الضغوط التي تمارس علينا اقتصاديا في استراتيجيات مبرمجة نحو إضعافنا، وأقربها الضرائب والإغراق وتأثير ارتفاع النفط في اقتصادياتنا الداخلية، لنخرج بمفهوم موحد اتَّخَذتُ له عنوانا بسيطا وهو ''الاستدامة في الحفاظ على الاستقامة''، كمفهوم يختلف عن الحفاظ على الاستقرار التنافسي الذي ظهر في مسوح عام 2008، كون الاستقرار لا يفي بالمتطلبات المستقبلية التي ستوفرها في اعتقادي الاستقامة في معناها البقاء في القمة، وإن أصبحت الأوضاع حرجة من حيث القوانين والأنظمة والقيود المفروضة والالتزام والتطبيق؛ في معنى يتوافق ومفهوم الاستدامة الشامل المتطور المستمر. وبإعادة التنظيم وفهم إدارة المخاطر وتقليص الهدر والاعتماد على المعايرة المبرمجة حاسوبيا واستخدام مفاتيح تحديد الإنجاز، سنضمن ديناميكية الاستدامة في المحافظة على الاستقامة المطلوبة، وأقرب ما نستفيد منها البعد عن التعظيم والتهويل في طرح الأرقام الهائلة في الاستثمارات المستقبلية، والتي نقرؤها ونطلع عليها في تصريحات المسؤولين في ندوات الطاقة والكهرباء والمياه تحديدا لتردي الأوضاع المتعلقة بإمداد الطاقة والموارد المائية، بلغت قيمة أعلى آخر استثمار لها المصرح بـ 300 مليار ريال خلال السنوات العشر القادمة من قبل الشركة السعودية للكهرباء، وهي حسب علمي لا تحوي الاستثمار في مفهوم الكفاءة في الطاقة ونشر الوعي لأجله بالشكل الذي يتطلبه الوضع الراهن، ولم تشتمل في المقابل على دراسات واقعية قائمة مبنية على إحداثيات علمية معيارية مسبقا بنيت عليها هذه الأرقام المطروحة، وإلا لما تفاجأت الشركة السعودية للكهرباء بالضغوظ على الكهرباء، ولم تستطيع تباعا الالتزام بتعهداتها في السنوات القليلة الماضية والحالية ولا حتى المستقبلية القريبة. والحديث هنا أيضا عن التنمية المستدامة التي تتردد كثيرا في أوساطنا العلمية والتربوية والاجتماعية ويتم التصريح بها أيضا في تلك الندوات الآنفة الذكر وغيرها، كونها ستعد من الأمور المستهجنة حينما تكون غير متوافقة مع قواعد الطريق التنموي المدروس، مما يثير الاستغراب.! لأنها بعيدة عما يدور حقيقيا في أروقة اتحاد الاستدامة وتفكير الناشطين في مجاله، والذي لا يزال يجاهد بأعضائه في تثبيت توجهه خدمة لمصالح منتسبيه، لأن المبالغ الاستثمارية الهائلة التي يتم التكهن بها أو رصدها سواء في المياه أو الكهرباء، واضحة المعالم في الرؤية الاستنزافية المغيبة ''لا أعلم لماذا'' للطاقة والموارد، لأنها بكل شفافية ستستثمر في حرق الغاز والنفط لإنتاج الطاقة المؤدي إلى انبعاث النوكس والكربون، وهو يغاير تماما ما تنظر إليه بجد الدول المعنية في الاستدامة، وهو الاستثمار في أبحاث واستغلال الطاقة النووية والمتجددة، للحفاظ على الطاقة للأجيال القادمة وتقليص انبعاث الغازات المؤثرة في حرارة الأرض في الاحتباس الحراري، تأكيدا للتعريف الذي تتبناه الأمم المتحدة للاستدامة. الأيام القليلة القادمة وقد تكون الأشهر المقبلة وليست السنين، كفيلة بما سأحاول استعراضه ـ بإذن الله ـ من ملاحظات في مقالات وتحليلات قادمة، كيف ستستعرض الدول الكبرى قوتها على العالم والدول الصغيرة، خاصة في لقاءات ومؤتمرات الطاقة والمناخ، وستفرض علينا عضلاتها عندما تنتهي بتوحيد رؤاها وتنسيق جهودها، لوضع قوانين وضرائب ومعايير ملزمة على استدامة سلسلة الإمداد للشركات المنتجة في العالم، كما فعلتها سابقا في مراقبة منتجاتنا وتشغيلنا تحت نظام ISO والشهادات الصادرة عنه المفترضة التجديد دوريا وبمبالغ باهظة، على الرغم من كونها تنظيمية رقابية مفيدة لكنها استغلالية ومهيمنة، وفيها جمع لمعلومات متجددة مهولة عن الشركات والمؤسسات في العالم وانكشاف لسياساتها واستراتيجياتها، مما يستفاد منها في أية أغراض أخرى رقابية وإحصائية.. إلخ، وقد تكون ذات ضرر على تلك الشركات من جهات أخرى تنافسية مثلا.
إنشرها