كيف نضمن عدم استخدام أموال الشركات لتحقيق أغراض سياسية؟

يقضي القرار الذي صدر أخيرا عن المحكمة العليا في الولايات المتحدة بتوسيع حرية الشركات في الإنفاق على الحملات السياسية والمرشحين ـ وهي الحرية التي تتمتع بها الشركات في بلدان أخرى في مختلف أنحاء العالم. وهذا من شأنه أن يثير تساؤلات معروفة حول الديمقراطية وقوة القطاع الخاص، ولكننا كثيراً ما نغفل سؤالاً آخر على قدر كبير من الأهمية: من الذي ينبغي له أن يقرر بالنيابة عن شركة متداولة في سوق عامة ما إذا كان بوسعها أن تنفق الأموال على السياسة، وحجم الأموال التي قد تنفقها، وما هي الغايات التي قد تدفعها إلى ذلك؟
وفقاً لقواعد قانون الشركات فإن قرارات الخطاب السياسي في الشركات العامة تخضع لنفس القواعد التي تخضع لها القرارات التجارية العادية. وبناء على ذلك فمن الممكن أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات من دون الرجوع إلى حاملي الأسهم العاديين أو المديرين المستقلين، ومن دون الكشف عنها بشكل مفصل ـ وهي الضمانات التي نص عليها قانون الشركات فيما يتصل بقرارات إدارية أخرى، مثل تلك التي تتعلق بأجور وتعويضات المسؤولين التنفيذيين أو التي ترتبط بمعاملات مع أطراف ذات صلة.
ولكن في مقال نشر أخيرا، أزعم أنا وروبرت جاكسون أن قرارات الخطاب السياسي تختلف اختلافاً جوهرياً عن القرارات التجارية العادية. ذلك أن مصالح المديرين والتنفيذيين والمساهمين الرئيسيين فيما يتعلق بمثل هذه القرارات قد تتضارب إلى حد كبير في كثير من الأحيان مع مصالح عامة المستثمرين.
ولنتأمل هنا على سبيل المثال حالة مؤسسة عامة يقرر رئيسها التنفيذي، أو حاملو الأسهم المهيمنون، دعم حركة سياسية ما تميل باتجاه اليمين أو اليسار، ويرغب في دعمها بالاستعانة بأموال المؤسسة. هناك في واقع الأمر القليل من الأسباب التي قد تجعلنا نتوقع أن تعكس الاختيارات السياسية للمطلعين على السياسة الداخلية للشركة نفس اختيارات عامة المستثمرين الذين يمولون الشركة. وفي حالة وجود مثل هذا التضارب في المصالح، فإن استخدام أموال الشركة لدعم قضايا سياسية لا يحبذها عامة المستثمرين في الشركة ـ أو حتى يعارضونها ـ من شأنه أن يفرض عليهم تكاليف تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد المبالغ النقدية المنفقة.
ويتعين على المشرعين لكي يمنعوا هذا من الحدوث أن يتبنوا الضمانات الكفيلة باتخاذ قرارات الإنفاق السياسي على النحو الذي يعمل على الحد من انحراف مثل هذه القرارات عن مصالح حاملي الأسهم. ومن الأهمية بمكان كبداية مطالبة الشركات المتداولة بتقديم الكشف المفصل لعامة المستثمرين بشأن حجم المبالغ والمستفيدين من أي مبالغ تنفقها الشركة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
لقد اعتمدت المحكمة العليا في الولايات المتحدة، حين قضت بتوسيع حق الشركات في الإنفاق على السياسة، على ''العملية الديمقراطية في الشركات'' لضمان عدم انحراف مثل هذا الإنفاق عن مصالح حاملي الأسهم. ولكن من الواضح أن مثل هذه العملية قد تكون ذات تأثير ضئيل إذا لم يكن الإنفاق السياسي شفافاً بالنسبة لعامة المستثمرين.
ولكي تكون هذه المكاشفة فعّالة فلابد أن تتضمن قواعد قوية فيما يتصل بالإنفاق السياسي عن طريق وسطاء. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تعمل المنظمات التي تسعى إلى التحدث بلسان قطاع الأعمال، أو بلسان صناعات بعينها، على جمع الأموال من الشركات وإنفاق أكثر من مليار دولار سنوياً على الجهود الرامية إلى التأثير على السياسة وصناع القرار السياسي. وفي حين لا تفصح هذه المنظمات عن الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بهذا النوع من الإنفاق، فلا توجد آلية للمكاشفة العلنية من شأنها أن تمكن المستثمرين في أي شركة عامة من معرفة ما إذا كانت شركتهم تساهم في مثل هذه المنظمات أو بأي مبلغ تساهم. ومن المؤكد أن المستثمرين من حقهم أن يطلعوا على مثل هذه الأمور.
فضلاً عن ذلك فإن قرارات الإنفاق السياسي التي قد تتخذها أي شركة عامة لا ينبغي أن تكون من اختصاص الإدارة فحسب، كما هي الحال عادة. وينبغي للمديرين المستقلين أن يضطلعوا بدور إشرافي مهم، كما هي الحال فيما يتصل بقضايا أخرى حساسة قد تنطوي على تضارب في المصالح بين المطلعين في الداخل وعامة المستثمرين. ويتعين على هؤلاء المديرين أن يقدموا تقريراً سنوياً يوضح اختياراتهم خلال العام السابق.
ويتعين على المشرعين أيضاً أن ينظروا في منح عامة المستثمرين حق إبداء الرأي في قرارات الإنفاق السياسي. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، كانت الشركات العامة خاضعة لمثل هذا الشرط لأكثر من عقد من الزمان، حيث ينبغي الحصول على موافقة حاملي الأسهم في الشركات البريطانية، من خلال التصويت بالأغلبية على قرار حاملي الأسهم، على أي إنفاق سياسي يتجاوز 5000 جنيه استرليني. وبعد اعتماد مثل هذا التشريع، ظل الإنفاق السياسي مرتفعاً ولكنه انخفض بعض الشيء مقارنة بالمستويات السابقة.
وقد يبدي المساهمون (حاملو الأسهم) وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظر القائمين على إدارتها، ليس فقط فيما يتصل بحجم الإنفاق السياسي، بل وأيضاً فيما يتصل بكيفية توجيه مثل هذا الإنفاق. وبوسعنا أن نعالج هذه المشكلات من خلال السماح لحاملي الأسهم باعتماد قرارات ملزمة فيما يتصل بالإنفاق السياسي للشركة في اجتماعها السنوي.
على سبيل المثال، قد يصدر حاملو الأسهم توجيهاتهم بعدم إنفاق الشركة لأي مبالغ على أنماط معينة من الأغراض السياسية، أو قد يكون بوسعهم أن يشترطوا الالتزام بمبادئ معينة في تخصيص الميزانية المصرح بها لمثل هذه الأغراض. والواقع أن مجرد توافر القدرة للمساهمين على تبني مثل هذه القرارات من شأنه أن يزيد من الحافز لدى الكبار في الشركة لتوجيه الإنفاق السياسي على النحو الذي يتوافق مع مصالح حاملي الأسهم.
إن القواعد القانونية التي تسمح للشركات بالإنفاق على السياسة تستند إلى وجهة نظر مفادها أن تعبير الشركات عن مواقفها يلعب دوراً مشروعاً في السوق السياسية. ولكن لا ينبغي لرغبات الشركات أن تتساوى تلقائياً وبالضرورة مع رغبات من يتولون إدارتها. ولهذا السبب فإننا نحتاج إلى تشريع جديد يضمن عدم انحراف مبدأ استخدام أموال الشركات لتحقيق أغراض سياسية عن مصالح حاملي الأسهم.
- هذا المقال يستند إلى دراسة أجراها أخيرا بالاشتراك مع روبرت جاكسون الابن تحت عنوان: ''الخطاب السياسي الشركاتي: من يتخذ القرار؟''.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي