Author

فرحة العيد والاستعداد النفسي والمادي

|
انصرمت أيام شهر رمضان المبارك ونستقبل هذه الأيام مناسبة عظيمة هي عيد الفطر المبارك، التي هي من مظاهر الدين، وإحدى شعائره المعظمة التي تنطوي على حكمٍ عظيمة ومعانٍ جليلة. فالعيد في معناه الديني شكر لله على تمام العبادة, والعيد في معناه الإنساني.. يوم تلتقي فيه قوة الغني وضعف الفقير على محبة ورحمة وعدالة من وحي السماء عنوانها الزكاة والإحسان والتوسعة، وهذا معنى إسلامي راقٍ، ففي عيد الفطر شُرعت زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء, وفي عيد الأضحى شُرعت الأضحية للتوسعة على الفقراء أيضا، وفي العيد ذكرى للفقراء والمساكين وإظهار الإحسان للإخوان والأعوان في رابطة تكافلية اجتماعية لا تكاد تعرفها الأمم في شتى أعيادها, والعيد في معناه الزمني قطعة من الزمن خصصت لنسيان الهموم وأطراح المتاعب وإظهار الفرح والسرور, والفرح في الإسلام مطلب ملح وغاية مبتغاة وهدف منشود بخلاف ما يظنه الكثير من الناس من أن الفرح في يوم العيد مخالف لتعاليم الإسلام وينبغي الحزن على ذهاب رمضان ونحو ذلك، وهذا كله مخالف لتعاليم الشرع المطهر، بل الفرح واللعب يوم العيد أمر مشروع وأقره الإسلام, ويكفي ذلك تأييد رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ للحبشة لعبهم بالأسلحة يوم العيد في المسجد ومشاركة عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ في الاستمتاع بهذا المشهد. فالفرح أعلى نعيم القلب ولذته وبهجته، فيفرح الإنسان باجتماع الناس وتلاقيهم في معنى يتحقق فيه معنى الإخاء العملي. وإن من المؤسف أن نرى بعضهم جردوا هذه الأعياد من حليتها الدينية وعطلوها عن معانيها الروحية، فأصبح العيد فاترا يُقبل عليه المرء بحس بليد وشعور بارد حتى لكأن العيد عملية تجارية تتبع اليسر والعسر في الميزانية، وأصبح محياها على الأطفال فقط، وهذا تجفيف للمعنى الأسمى للعيد في معناه الإنساني الذي قصده الشارع الحكيم. ويكفي إجلالا لشأن العيد أن الإسلام قرن كل واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها العظيم في الروحانيات ولها أثرها البليغ في الاجتماعيات، وهي شهر رمضان الذي جاء عيد الفطر مسك ختامه، وشعيرة الحج الذي كان عيد الأضحى بعض أيامه وأكثر أعماله. وبهذا الرابط الإلهي بين العيدين وبين هاتين الشعيرتين يظهر الحكم عليهما بما احتوياه من أسرارٍ وحكمٍ تصفي النفوس، وهي فرصة لاستجمام القوى الجاهدة في الحياة حتى يبدأ الإنسان نشاطه العملي والدراسي بروح متجددة بعدما أخذت حظها من معاني الفرح والحب والإيثار والإخاء والوفاء. ومن المسائل المهمة التي تبقي للعيد فرحته هي الاستعداد النفسي والمادي له، حيث يكون هناك من الوسائل ما تساعد على إضفاء الفرح والسرور والاجتماع وصلة الأرحام والتآخي. وينبغي ألا تطغى المعاني المادية على فرحة العيد حتى لا تقتل فرحته وتذهب، ولو استرجعنا الذكريات لرأينا أن العيد في الماضي كان ذا مذاق جميل ممتلئ بالفرحة والسرور مع ما كان فيه من البساطة والعفوية والبُعد عن التعقيدات الكمالية والنزعات المادية. وينبغي أن يتلازم مع فرحة العيد إظهار الشكر لله سبحانه وتعالى، فقد ختم الله آيات الصيام في سورة البقرة بقوله ''ولعلكم تشكرون''، فالشكر قيد النعم الموجودة وصيد النعم المفقودة، وإظهاره يكون على لسان المرء وجوارحه بأن يحمد الله على إتمام العبادات وتوافر النعم وعدم تغيّرها، لأن من سنن الله تغيّر الأحوال، وقد حفظ لنا التاريخ قصة الحاكم الأندلسي المعتمد بن عباد الذي كان يرفل في مملكته بوافر النعيم والرقي هو وأفراد أسرته، فسلط الله عليه حاكم المغرب ابن تاشفين واستولى على مملكته وسجنه، وفي يوم العيد جاءه بناته يزورونه فقال قصيدة مؤثرة يصف فيها حاله أيام النعيم وكيف تغيّرت به الأمور، فقال: فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا وكان عيدك باللذات معمورا وكنتَ تحسب أن العيد مسعدةٌ فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعةً في لبسهنّ رأيتَ الفقر مسطورا معاشهنّ بُعيد العزّ ممتهنٌ يغزلن للناس لا يملكن قطميرا برزن نحوك للتسليم خاشعةً عيونهنّ فعاد القلب موتورا قد أُغمضت بعد أن كانت مفتّرةً أبصارهنّ حسيراتٍ مكاسيرا يطأن في الطين والأقدام حافيةً تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا قد لوِّثت بيد الأقذاء واتسخت كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره وقبل كان بماء الورد مغمورا لكنه بسيول الحزن مُخترقٌ وليس إلا مع الأنفاس ممطورا أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَجٌ فعاد فطرك للأكباد تفطيرا قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً لما أمرت وكان الفعلُ مبرورا وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ فردّك الدهر منهياً ومأمورا من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به أو بات يهنأ باللذات مسرورا ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت فإنما بات في الأحلام مغرورا تقبل الله منكم أيها القراء الكرام الصيام والقيام، وكل عام وأنتم بخير، ومن العايدين.
إنشرها