مفهوم باكستان المتغير للتهديد: هل هو أمر واقعي؟

وسط الفيضانات التي امتدت آثارها إلى خُمس الأراضي الباكستانية، فاجأت وكالة المخابرات الباكستانية المجتمع الدولي من خلال إعلانها عن تقييم باعث على الدهشة، حيث ورد فيه أن الهند لم تعد هي التهديد الرئيس لباكستان. وكانت هذه الوكالة قد تم تكليفها من جانب الجيش الباكستاني، حتى فترة ليست بعيدة، بالحصول على ''عمق استراتيجي'' لباكستان في أفغانستان.
إذا وضعنا البعد السياسي من الأمر جانبا، فإن هذا الإعلان يعد تطوراً مهما في شبه القارة الهندية الذي يعرف بالتنافس الشديد بين الهند وباكستان، وخصوصا حول إقليم كشمير. ولدى هذا الإعلان مضامين مهمة للولايات المتحدة التي تخوض حربا في أفغانستان ضد القاعدة، وضد طالبان. ولكن السؤال الرئيس هنا: ما إذا كان هذا التغير بخصوص النظر إلى التهديد حقيقيا، أم أنه مجرد استجابة تكتيكية من جانب وكالة المخابرات الباكستانية في سبيل إعادة تضليل الهند، والولايات المتحدة، والمجتمع الدولي ككل؟
لقد أدت هذه الفيضانات غير المسبوقة من حيث الحجم إلى جعل باكستان تواجه مشكلات عدة بالغة الصعوبة، حيث إن لديها مؤسسة مدنية تحاول جاهدة مواجهة آثار هذا الوضع. وقد شكلت باكستان خلال الفترة الأخيرة وكالة قومية لإدارة الكوارث، حيث ما تزال ضعيفة، وقليلة الخبرة. ويضاف إلى ذلك أن أداء اقتصاد البلاد لم يكن جيدا خلال السنوات الأخيرة. وأدت هذه الفيضانات كذلك إلى جعل إمدادات التيار الكهربائي في البلاد أشد سوءًا، كما أدى الفيضان إلى إغراق عدد كبير من محطات توليد الطاقة الكهربائية. وضربت الفيضانات كذلك الطرق، والسكك الحديدية، والبنية التحتية، وقنوات الري. ومعروف أن الزراعة تشكل 20 في المائة من الناتج المحلي الباكستاني، حيث تعرض هذا القطاع الحيوي إلى دمار على نطاق واسع.
من المعتقد أن هذه الأزمة زادت من عمق صعوبة الأوضاع في باكستان، وكشفت عن أنه إذا لم تعالج بالصورة الملائمة فإن من المحتمل اندلاع احتجاجات اجتماعية على نطاق واسع. ويقارن كثيرون بالفعل بين ما يحدث الآن، وبين ما حدث في عام 1970 حين أدى إعصار في مقاطعة بولا شرقي باكستان إلى مقتل نحو 500 ألف شخص. وكانت تلك كارثة اختارت النخبة الحاكمة في باكستان تجاهلها لتدفع بعد ذلك ثمنا غاليا في السنة التالية. وأدت تلك الكارثة، إضافة إلى ضعف اقتصاد البلاد إلى تعزيز النزعة القومية في البنجال، الأمر الذي أدى في النهاية إلى قيام دولة جديدة منفصلة عن باكستان، هي بنجلاديش. وعلى الرغم من عدم وجود حركة انفصالية بذلك الحجم في الوقت الراهن في باكستان، فإن هذا البلد يواجه مشكلات في أقاليم مثل بلوشستان. ويواجه البلد كذلك تمردا إسلاميا قويا بقيادة طالبان باكستان.
إن المؤسسة الوحيدة العاملة بالفعل على نطاق باكستان هي الجيش الذي يعي تماما المهام الشاقة التي تنتظر البلاد. وحتى حين تنحسر المياه، فإن هنالك حاجة إلى جهود جبارة من أجل الإصلاح، وإعادة البناء. ويتطلب ذلك الأمر مبالغ مالية هائلة، وقدرات إدارية كبرى، وكلاهما غير متوافر في باكستان.
على الرغم من أن الجيش الباكستاني حكم البلاد لأكثر من نصف عهد الاستقلال، إلا أنه من غير المتوقع أن يلجأ إلى استبدال الإدارة المدنية الحالية، لأنه إذا حدث فشل كبير، فإن الجيش سيتلقى اللوم إذا كان في واجهة الحكم. وقد لا يتحرك كذلك لزعزعة حكومة زارداري، كما أنه من غير المتوقع أن يتحرك لتشكيل حكومة وطنية تتولى معالجة هذه الأزمة.
حاولت الولايات المتحدة مساعدة باكستان على اجتياز هذه الأزمة، حيث سارعت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، منذ بداية الأزمة إلى تقديم مساعدة طارئة بقيمة 76 مليون دولار كي توازن ما تقوم به الميليشيات المسلحة من إيواء، وإطعام للمتضررين من الفيضان من خلال منظمات خيرية في مناطق لم تصل إليها الحكومة بعد. وهناك خشية من أن يتمكن المتطرفون من استغلال هذه الأزمة لتجنيد مزيد من الأفراد في صفوفهم لتعزيز إيجاد حكم إسلامي متشدد في هذا البلد الذي يمتلك أسلحة نووية. وتسعى الولايات المتحدة من خلال التعجيل في تقديم هذه المساعدة إلى إقناع الآخرين بأنها لا تكتفي بمجرد استخدام باكستان في حربها ضد الإرهاب، وإنما هي كذلك ملتزمة بدعم هذا البلد. ويضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تأمل في اكتساب تأييد الرأي العام في باكستان.
مع ذلك، كانت عملية جمع أموال المساعدات من المجتمع الدولي صعبة للغاية، إذ كانت الأمم المتحدة تصارع في سبيل جمع 460 مليون دولار من أجل تقديم المساعدات الطارئة. ولم يتم سوى التعهد بتقديم خُمس هذا المبلغ منذ إطلاق الأمم المتحدة لهذا النداء في 11 من آب (أغسطس) الحالي. وشهدت أوروبا كذلك استجابة فاترة لهذا النداء.
ومن المعتقد أن ذلك يعود إلى سببين: أولهما، أنه ينظر إلى باكستان على أساس أنها مقر، ومصدر لعدد كبير من الإرهابيين. ويضاف إلى ذلك أن الأموال التي أرسلت إلى باكستان في الماضي لمحاربة المتطرفين جرت إساءة استخدامها. ونظرا لكون المجتمع الدولي يخشى من أن تتكرر مثل تلك المنافسات، فقد كان رد فعله فاترا إزاء طلب المساعدات الطارئة. وأما السبب الثاني، فهو وجود نوع من الإرهاق على صعيد الجهات المانحة، إذ إن المجتمع الدولي قدم الكثير من الدعم والمساعدة إلى هايتي في أوائل العام الحالي.
يبدو أن الاستخبارات الباكستانية اختارت عن قصد توقيت هذا الإعلان الخاص بالتهديد بسبب هذه الظروف الصعبة. ولا يمكن للجيش الباكستاني أن يتوقع من المجتمع الدولي تمويل المتطرفين الذين يستخدمون كأداة لتعميق الوجود الاستراتيجي الباكستاني في أفغانستان. ويحاول الجيش الباكستاني في الوقت الراهن تقديم سيناريو جديد. ويضاف إلى ذلك أن طول علاج هذه الأزمة سيؤدي إلى زيادة تعقيد الوضع الهش في باكستان. وهذا آخر شيء يريده الجيش الباكستاني. ولا يمكن لرغبة باكستان في الحصول على الدعم المادي من جانب المجتمع الدولي أن تنسجم مع رغبتها في تعزيز وجودها الاستراتيجي في أفغانستان. وأخيرا فإنه إذا لم يؤدِ هذا التقييم الخاص بمصادر التهديد الرئيس إلى إجراءات فعلية على أرض الواقع ضد المتطرفين، فإنه لا يرجى منه الكثير.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي