الإدارات الصغيرة ودورها في نجاح المؤسسة

تتكون المؤسسات الكبيرة من أجزاء صغيرة تتعاون فيما بينها لإنتاج منتج معين أو تقديم خدمة معينة. يأتي نجاح المدير التنفيذي للمؤسسة أو مديرها العام بتنمية قدرات هذه الأجزاء الصغيرة وإعطائها الفرصة لإثبات وجودها وتطوير ذاتها، فتفاصيل عملها لا يعلمها سواهم وبالتالي تسيير الأعمال المنوطة بهم على أتم وجه يأتي بعد تحفيزهم وإفساح المجال لهم للإبداع، لا بإعطائهم الأوامر لما يعملوا وكيف يعملوه.
الكثير من أفراد  الإدارات الصغيرة ''وللأسف'' يعتقدون أنهم ''تحصيل حاصل'' في المؤسسة، وأن دورهم غير مهم بل قد سمعت من يقول منهم ''نحن لا رأي لنا، فهو ليس ذا قيمة''، هذا الاعتقاد السلبي لدور هؤلاء الأفراد في المؤسسة هو أحد العوامل الرئيسية لبطء وتراخي أداء المؤسسة. وقد تجد مديراً تنفيذياً أو مديراً عاماً يبذل جهداً مميزاً في وضع الخطط والاستراتيجيات ويعيد هيكلة المؤسسة ويستقطب معاونين له من الاستشاريين ويضع أهدافا مستقبلية مجدولة للمؤسسة ككل ولكل قسم وإدارة منها ويقوم بأعمال جليلة ومهمة أخرى مثل الحصول على الدعم المادي والمعنوي للمؤسسة، ولكن في نهاية المطاف يصل إلى طريق مسدود، ويعتقد أن الموظفين خذلوه أو أن ''الخرق اتسع على الراقع'' فيرجع أدراجه مطأطئ الرأس معترفا بفشله في إصلاح المؤسسة (وهناك من لا يعترف بفشله ويسعى جاهدا إلى الإعلام والإعلان عن مشاريع ومبادرات براقة في مؤسسته ليخادع العامة ويخادع مجلس الإدارة بأنه يعمل عملا غير مسبوق وأنه ناجح، وهو لا يدري أنه خادع لنفسه قبل أن يخدع الآخرين والله المستعان).
ضمن الأسباب الرئيسية لهذه النتيجة المحبطة لذاك المدير التنفيذي أو المدير العام هو عدم تفعيل دور الإدارات الصغيرة في مؤسسته وعدم الاستعانة بهم وبخبرتهم في تسيير أعمال المؤسسة إلى نتائج أفضل. إذن كيف لنا أن نُفعل دور هذه الإدارات الصغيرة (نسبيا) وأن نستفيد منها الاستفادة القصوى؟
على الإدارة العليا أن تجعل هدف تفعيل دور الإدارات الصغيرة ضمن أولوياتها وأن تحرص على مراجعة هذا الهدف بشكل دوري مع الإدارات الفرعية، وأن تعزز وتدعم دور هذه الإدارات الصغيرة، وأن تسعى لتحفيز منسوبيها، وأن تدربهم وتنمي قدراتهم، وأن تعطيهم الاهتمام اللازم بأخذ آرائهم بعين الاعتبار.
يقول المثل الشعبي ''أكل العنب حبة حبة'' فالإدارة الصغيرة لابد ألا يضخم لها المهام والأهداف التطويرية بل على الإدارة العليا أن تُمرحل هذه الأهداف التطويرية لهذه الإدارة الصغيرة حتى لا تضيع وتتشتت بين تنفيذ أهداف تطويرية للعمل وبين تسيير الأعمال اليومية، ومن الأفضل أن يعطى هدف واحد لكل مرحلة قدر الاستطاعة فعند الانتهاء من تنفيذ وتحقيق هدف تطويري معين يُنتقل إلى الهدف التطويري الآخر. فالغالب أن إمكانات الإدارات الصغيرة لا تشفع لها بأن تنفذ أهدافا تطويرية مجتمعة في وقت واحد، ولكن لديها القدرة على تنفيذها واحدا تلو الآخر.
كما يكون على الإدارة العليا مسؤولية كبيرة  في تغيير ''ما جرت عليه العادة'' في بعض الإدارات وهو أن من يتحمل عبء قيادة الإدارات الصغيرة هو الأقدم وليس الأكفأ. وهذه مشكلة حقيقية، فمن يريد النجاح للمؤسسة لا يربط سنوات الخبرة بالمناصب وإنما الأجدر والأكفأ هو من يتولى المهمة مع دعمه حتى ينجح. تقوية أفراد الإدارة الصغيرة واستخدام نظرية التمتين لنقاط قوتهم أكثر من التركيز على تقوية نقاط ضعفهم يكون الأجدى في هذا الوضع بالتحديد. فعلى الإدارة العليا أن تعي نقاط قوة الأفراد ثم تُحسن استثمارها وتوظيفها لصالح المؤسسة، لا أن تبحث عن نقاط الضعف للأفراد ثم تحاول معالجتها ثم الاستفادة منها، (مع الأخذ في الاعتبار أن هذا بالتحديد يعتبر خيارا استراتيجيا يعتمد على المعطيات المتاحة للمؤسسة في الوقت والمكان المناسبين).
أخيرا قياس الأداء بشكل دوري لهذه الإدارات لهدف تصحيح الأخطاء، فقياس الأداء يكون على المنتج والخدمة المقدمة لا على الأفراد (فقياس أداء الأفراد يعتبر موضوعا مستقلا ربما نتطرق إليه في مقال قادم). قياس الأداء سيكشف لنا حال طريقة تنفيذ الأهداف بموضوعية، وسيبرز لنا مَواطن الخلل في خطة التنفيذ لمعالجتها، وفي الوقت نفسه سيبين لنا حال تفعيل دور هذه الإدارات الصغيرة في تطوير المؤسسة ككل.
 
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي