زراعة في الكهرباء وقطاف في الصناعة

الإنتاج والنقل والتوزيع, ثلاثة أنشطة رئيسة في صناعة الكهرباء. عاش قطاع الكهرباء السعودي خلال العقود الماضية في مرحلة تطويرية هدفت إلى توفير أكبر قدر ممكن من الانسجام بين هذه الأنشطة الثلاثة.
كانت الشركة السعودية للكهرباء إلى وقت قريب تقوم بتنفيذ هذه الأنشطة الثلاثة, ومع ظهور مجموعة من التطورات في قطاع الكهرباء، بدأ القطاع بإعادة ترتيب أوراقه بما يمكنه من النمو والاستدامة في تلبية الطلب الداخلي المتزايد على الكهرباء.
من أهم هذه المستجدات تجزئة أنشطة القطاع الثلاثة وإسنادها إلى مجموعة أخرى من الشركات المؤهلة لتشارك الشركة السعودية الموحدة للكهرباء تحقيق أهداف القطاع وبلوغ آفاقه. ما زال القطاع في مراحل أولية تهدف في نهاية المطاف إلى إنشاء سوق كهرباء موازية تستهدف شريحة خاصة من تلك الشريحة العامة القائمة. شريحة خاصة تتمثل في الشريحة الصناعية والتجارية التي تعد من أساسات نجاح الاستراتيجية الصناعية الوطنية وخطط التنمية الاقتصادية. يتوقع أن تكتمل هذه العملية في 2015 عندما يتم التخصيص الكامل لقطاع الكهرباء وفتح باب التنافس المباشر بين شركات الإنتاج المزدوج (كهرباء وماء).
مهمة ليست باليسيرة عطفا على نتائج تجارب مشابهة في عدد ليس بالقليل من دول العالم. تستلزم هذه الأهمية النظر في مقومات قطاع الكهرباء القائمة والتحديات المتوقعة والآفاق المأمولة بما يفتح المجال لتقريب وجهات النظر, ما من شأنه إنشاء قطاع اقتصاد حيوي يسهم في دعم حركة التنمية الصناعية وينميها.
يتسم قطاع الكهرباء القائم بسمتين رئيستين. السمة الأولى أن معظم التقنيات المستخدمة لإنتاج الطاقة في السعودية تعتمد على النفط والغاز الطبيعي كمدخلات رئيسة في عملية الإنتاج. وهذه الآليات آليات مألوفة لدى شريحة كبيرة من المستهلكين الصناعيين، كشركات الصناعات البتروكيماوية، كونها تعتمد على عنصري النفط والغاز الطبيعي كمدخلات لعملياتها الإنتاجية البتروكيماوية. وبالتالي، فإن هناك حافزا رئيسا أمام هذه الشركات الصناعية للدخول في نشاط إنتاج الطاقة متى ما استطاع قطاع الكهرباء تأمين النفط والغاز الطبيعي لهذه الشركات لاستخدامه في إنتاج الطاقة بالأسعار نفسها التي تحصل عليها الشركة الموحدة للكهرباء.
والسمة الأخرى أن تكاليف نقل الطاقة من محطات الإنتاج إلى محطات التوزيع تتباين بتباين البعد الجغرافي لمحطات التوزيع عن محطات الإنتاج. والسبب خلف ذلك أن شبكة الربط الكهربائي القائمة تتكون في داخلها من مجموعة من شبكات ربط الكهرباء المتباين توزيعها بين تفصيلية، تغطي جميع المناطق الجغرافية الواقعة تحت نطاق تغطيتها، إلى شمولية، تغطي بعض المناطق الجغرافية الواقعة تحت نطاق تغطيتها. وبالتالي، فإن هناك حافزا رئيسا آخر أمام شركات إنتاج الطاقة الجديدة لإنشاء محطات إنتاج قريبة من أماكن وجود المستهلك النهائي تتفادى من خلاله تكاليف نقل الطاقة.
يتوقع أن تضم سوق الكهرباء الموازية تحت مظلتها خمسة أطراف رئيسة: وزارة المياه والكهرباء، هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، الشركة السعودية الموحدة للكهرباء، شركات تحلية المياه القائمة، شركات الإنتاج المزدوج (مياه وكهرباء)، وشريحة كبيرة من المستهلكين الصناعيين والتجاريين.
تتابين أهداف هؤلاء الأطراف بتباين طبيعة أدوارهم داخل سوق الكهرباء الموازية, فوزارة المياه والكهرباء تسعى إلى وضع سياسات المياه والكهرباء بعيدة المدى، والتأكد من أن هذه السياسات تتماشى والسياسات الوطنية الأخرى، كالاستراتيجية الصناعية وسياسات التخصيص.
وهيئة تنظم الكهرباء والإنتاج المزدوج تسعى إلى الإشراف على نشاط قطاع الكهرباء وتنفيذ السياسات العامة ذات العلاقة بتخصيصه وتنميته واستدامته. والشركة السعودية الموحدة للكهرباء تسعى إلى تحقيق رسالتها المتمثلة في تلبية احتياجات المستهلكين من الكهرباء بما يتوافق مع تطلعات ملآك أسهمها في تحقيق الربحية المالية واستدامتها. وشركات تحلية المياه القائمة والإنتاج المزدوج (مياه وكهرباء) تسعى إلى الربحية من خلال الدخول في منافسة مباشرة من الشركة السعودية الموحدة للكهرباء لتلبية احتياجات المستهلكين.
تتميز احتياجات المستهلكين في الوقت ذاته بميزات تجعل آلية عمل قطاع الكهرباء الموازي آلية جديرة بأن تأخذ حقها من المدارسة وتقريب وجهات النظر. حيث يشترك المستهلكون في قطاع الكهرباء الموازي في ثلاثة تحفظات تدور حول مدى قدرة قطاع الكهرباء الموازي على مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة.
التحفظ الأول عدم وصول كبار المستهلكين للطاقة من الشركات الصناعية القائمة إلى قناعة تامة بأن قطاع الكهرباء الموازي سيكون قادرا على تلبية احتياجاتهم المتزايدة من الطاقة. تكمن نقطة التحفظ هنا في تخوف الشركات الصناعية من الوصول إلى مستوى الطاقة الاستيعابية لقطاع الكهرباء الموازي دون وجود بدائل تضمن استمرارية عمل هذه الشركات الصناعية, ما سيؤثر سلبا في التزاماتهم الإنتاجية مع مستهلكيهم.
والتحفظ الثاني أن دخول بعض الشركات الصناعية في نشاط إنتاج الطاقة يكسب هذه الشركات ميزة تنافسية أمام منافساتها من الشركات الصناعية الأخرى التي لم تمكنها إمكاناتها من أن تحذو حذو تلك الأولى وتدخل مجال إنتاج الطاقة. تكمن نقطة التحفظ هنا في أن التكلفة الإنتاجية للشركات الصناعية التي دخلت في نشاط إنتاج الطاقة ستكون أقل من تلك التي لم تدخل في نشاط إنتاج الطاقة, ما سينعكس على أرباح هذه الشركات في قوائمها المالية.
والتحفظ الثالث أن شريحة كبيرة من الشركات الصناعية السعودية ليس لديها القدرة الفنية للاعتماد على مواردها الذاتية في إنتاج ما تحتاج إليه من الطاقة. تكمن نقطة التحفظ هنا في أن قطاع الكهرباء الموازي أفرط في التفاؤل وافترض أن هذه الشركات قادرة على إنتاج الطاقة, بينما الحقيقة عكس ذلك.
تقودنا هذه التحفظات إلى النظر في أهم التحديات المتوقع ظهورها في سوق الكهرباء الموازية. التحدي الأول الكفاءة الاقتصادية للمؤسسات والهيئات الحكومية ذات العلاقة ومثيلاتها في القطاعات الصناعية والتجارية الراغبة في المشاركة في إنتاج الطاقة. والتحدي الثاني تأهيل الشركات الراغبة في المشاركة من خلال تحوّر دورها من مستهلك رئيس للطاقة إلى منتج رئيس. والأمر الثالث الموازنة بين أهداف وتحفظات شركات الكهرباء القائمة وتلك الراغبة, ما من شأنه تفعيل مبادئ العدل وتساوي الفرص التنافسية بينهما.
مهمة ليست باليسيرة عطفا على نتائج تجارب مشابهة في عدد ليس بالقليل من دول العالم, تستلزم هذه الأهمية استدامة النظر في مقومات قطاع الكهرباء القائمة والآفاق المرجوة, ما من شأنه دعم حركة التنمية الصناعية وتنميتها نحو تطوير اقتصاد وطني مفعم بالحيوية والنشاط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي