Author

هل أمست الغرف التجارية عائقاً أمام نمو القطاعات الاقتصادية؟!

|
قدمت الغرف التجارية في بدايات نمو النشاط التجاري والصناعي للمملكة العربية السعودية خدمات لم يكن في المقدور الحصول عليها من غيرها, حيث تمحورت حول حماية مصالح القطاعات التجارية والصناعية عند التعامل مع الأجهزة الحكومية وباتت الصوت الموحد لصانعي القطاع الخاص واكتسبت الاعتراف والعناية من قبل الدولة حتى باتت الممثل الشرعي للقطاع الخاص بجميع أطيافه وتمحوراته, وباتت ذات هيمنة وسلطة لا ينازعها عليهما أحد, فتكفلت بدور الموثق العام notary public في تصديق التواقيع والوثائق وتبنت التمثيل القسري للقطاعات الاقتصادية بصورة عامة وتحولت إلى ناد لنخبة رجال الأعمال حتى أمست عقبة حقيقية أمام تطور الأنشطة الاقتصادية, وبات علينا النظر في جدوى تحجيم الغرف التجارية الصناعية وفتح المجال أمام تكوين الجمعيات القطاعية. بالاطلاع على نظام الغرف التجارية واللائحة التنفيذية نجد أن النشاطات التي تتاح للغرف التجارية ممارستها واسعة جداً تبدأ بجمع البيانات وإصدار الإحصائيات مروراً بحق امتياز تمثيل جميع النشاطات التجارية والصناعية أمام الحكومة واحتكار الاتصال الخارجي الجماعي وحق تقديم خدمات التدريب وإقامة المعارض والأسواق وسلطة فض المنازعات بالتحكيم وانتهاء بتصديق المستندات وإصدار المجلات والنشرات المتخصصة في قطاعات التجارة والصناعة. ومع حيازة هذه السلطات الواسعة للغرف التجارية, إلا أنها أخفقت في بعض وتميزت في بعض, وهذه الملاحظة تنسحب على كل الغرف التجارية والصناعية في المملكة, صغيرها وكبيرها, فما تميزت فيه الغرف التجارية هو كونها ناديا لرجال الأعمال ودورها كموثق عام يقوم بتصديق المستندات والوثائق, وما عدا ذلك فنشاطات الغرف التجارية الصناعية أقل من المراد, وهي متذبذبة من حيث النوعية والكفاءة, فبرامج التدريب التي تقدمها الغرف التجارية رخيصة التكلفة وضعيفة الفائدة, وهي بتوليها ذلك حجمت قيام نشاط تدريب فاعل في المملكة يقوم على أسس تجارية بما تمثله من منافسة غير متكافئة, كما أن الغرف التجارية توّجه معظم مصروفاتها للعلاقات العامة وخدمة طبقة كبار رجال الأعمال وتهمل طبقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تكاد تخدمها إلا بتمرير التعميمات التوجيهية, حتى التقارير والدراسات التي تصدرها الغرف التجارية تفتقد في كثير منها الحرفية المهنية والمصداقية, ومع كون جميع الغرف التجارية تصدر نشرات ومجلات دورية لها وتخصص لها ميزانيات كبيرة, إلا أن هذه المجلات تفتقر إلى وصفها بأنها مجلات اقتصادية, فمحتوياتها ضعيفة الإعداد وتركز على الجوانب التشريفية لمجلس إدارة الغرفة وإدارتها, وبعض منها يحتوي على صفحات للأطفال والتسلية! هذا إلى جانب كون الغرف التجارية غير قادرة على تمثيل فاعل لمصلحة القطاعات الاقتصادية المختلفة, وهذا عائد إلى سببين رئيسيين, الأول كون الغرف التجارية والصناعية إقليمية النطاق, حيث تكاد تكون لكل منطقة أو مدينة كبيرة غرفة تجارية مستقلة بكيانها التنظيمي ومواردها المالية, ما يجعل نشاط لجانها القطاعية قاصرا على نطاق منطقتها. والسبب الآخر كون اللجان القطاعية بانضوائها تحت إدارة الغرف التجارية والصناعية غير قادرة على التصرف بحرية وكفاءة, وذلك لسيطرة إدارة الغرفة على تفعيل قراراتها وتحديد مصروفاتها, فمثلاً لو أخذنا قطاع الصناعات الأسمنتية في المملكة, الذي يشمل مصانع الأسمنت والخرسانة الجاهزة ومسبقة الصب وصناعة البلوك والبلاط والأنابيب الأسمنتية, نجد أن حجم هذا النشاط من حيث القيمة النقدية والتوظيف للموارد البشرية يعادل ثلاثة أضعاف النشاط نفسه في كندا, وهي دولة تماثل المملكة في عدد السكان وتفوقها في المساحة مرات عديدة, ومع ذلك يتولى قطاع الصناعات الأسمنتية في كندا جمعية Cement Association of Canada, وهي جمعية قطاعية نشطة تقوم على تطوير ذلك النشاط وترشيد كفاءته والعمل على استقراره كأحد مكونات إجمالي الناتج المحلي, مع أنه لا يمثل سوى 2 في المائة, أي 2 في الألف من ذلك, في حين أن حجم قطاع الأسمنت في المملكة يمثل ما لا يقل عن 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمملكة ( تقديرياً) ومع ذلك يفتقر هذا القطاع الحيوي إلى التمثيل الصحيح, وأعضاؤه من الشركات والمؤسسات مشتتون بين الغرف التجارية وليس في أي منها لجنة مختصة بقطاع الصناعات الأسمنتية, وهذا ليس المثال الوحيد على سوء هيكلة تمثيل القطاعات الاقتصادية في المملكة, فكثير من القطاعات الاقتصادية تعاني الاضطراب في تنظيمها نتيجة الإعاقة التي تمثلها كيانات الغرف التجارية والصناعية. لقد أصبح ميدان النشاط الاقتصادي في السعودية واسعا بحيث لا يتناسب مع هيكلية التمثيل الجماعي للقطاعات الاقتصادية, التي ترتكز إلى الغرف التجارية والصناعية, وأصبح من الملائم إعادة النظر في تلك الهيكلية بحيث تعاد صياغتها على أسس جديدة تتمثل في تكوين جمعيات قطاعية وطنية تهتم بقطاعاتها على مستوى المملكة, وقد تكون هناك حاجة إلى تنسيق أو شمول القطاعات المماثلة في دول مجلس التعاون, حيث بات هناك شبه اندماج كامل في سوق خليجية موحدة وأن يتم تحجيم الغرف التجارية بحيث تتناسب قدرتها مع ما برزت فيه من نشاط يتمثل في كونها ناديا لرجال الأعمال وموثقا عاما, لقد أصبحت إعادة هيكلة تمثيل القطاعات الاقتصادية بجميع صفاتها التجارية والصناعية والخدمية والزراعية مطلباً ملحاً على وزارة التجارة والصناعة التفكير فيه بجدية وحماس.
إنشرها