الصحة .. حاجة واستثمار آمن

أستفتح بحمد الله أن مَنَّ عليّ بالشفاء بعد العملية الجراحية التي أجريتها أخيرا والتي في سياقها أتقدم بالشكر الجزيل والعرفان إلى كل من أحاطني بكريم خلقه بزيارة أو سؤال أو دعوة في ظهر الغيب من الأهل والأقارب والأصدقاء والمحبين والزملاء، حيث لن أوفيهم حقهم بالشكر إلا أن أقول للجميع لا أراكم المولى - عز وجل - مكروه، وأدام عليكم الصحة والعافية فقد كانت مواقفكم بلسماً ودعواتكم أملاً في الشفاء. ولو كان المجال يتسع لخصصتكم فرداً فرداً بالشكر والعرفان. ولعلني لا أنسى بهذه المناسبة العرفان والشكر إلى من كان - بعد الله - سبباً في الشفاء طبيبي الأستاذ الدكتور زين العابدين جمجوم رئيس وحدة جراحة المخ والأعصاب في جامعة الملك سعود، والذي أتخذه مثالاً نحو الإيمان بما سيرد في هذا المقال مع خالص تحياتي وعرفاني لجليل قدره وعلمه، فنفع الله به الإسلام والمسلمين وأدام عليه المولى توفيقه.
إن الرعاية الصحية هي من أولويات المجتمعات أيا كانت اقتصاداتها، ولذا فالقطاع الصحي يأتي من المفترض غالباً في مقدمة الإنفاق الحكومي أو حتى في الاهتمام بالأولويات القطاعية للاقتصاد إلا أن لكل من الاقتصادات أولوياتها بحسب مكونات المجتمع وخصائص اقتصاده وبالتالي القطاع الصحي فيه. ففي منطقة الخليج يتجه قطاع الاستثمارات في الرعاية الصحية إلى قابليته للنمو لعدد من الخصائص في المجتمع، الخليجي ولكون الاستثمار في القطاع الصحي بشكل عام يعد استثماراً آمناً إذا ما توافرت بنية تدعم ذلك الأمان حيث تشير التقديرات إلى وجود فرص استثمارية ضخمة في هذا القطاع تقدر بنحو 50 مليار دولار سنوياً حتى عام 2020م. وطبقاً لتقديرات بنك آلبن كابيتال فإن نحو 200 مشروع مستشفى يجري تنفيذها حالياً في الخليج ستضيف 27 ألف سرير بحلول 2015م وسينمو الطلب على متطلبات الرعاية الصحية بمعدل 9 في المائة سنوياً حتى عام 2020م. هذا وتبلغ قيمة الاستثمارات الحالية في المشاريع الطبية والرعاية الصحية في الخليج 14 مليار دولار، تستحوذ السعودية على النسبة العظمى منها بنحو خمسة مليارات دولار مشاريع حكومية ونحو مليار دولار من القطاع الخاص. إن القابلية للنمو في هذا القطاع وكونه استثماراً آمناً يعود إلى عدد من العوامل منها نمو أعداد السكان وخصائصه الديموغرافية مثل تزايد أعداد شريحة كبار السن وكذلك تغير نمط الحياة الذي أفرز ما يسمى ''أمراض الرفاهية'' وفي مقدمتها السكري والسمنة المفرطة وغيرهما طبقاً لما ورد من معطيات على هامش معرض الصحة العالمي المنعقد في دبي عن موقع الأسواق العربية 26/1/2010م.
إن الاستثمار في القطاع الصحي وكونه فرصة استثمارية جاذبة محلياً ما زال كغيره من القطاعات في طريقه إلى النضج بحكم إيجاد البنية الأساسية اللازمة لدعم نجاح نموه والتي منها البيئة التشريعية المنضبطة ووجود الكوادر المحلية المؤهلة. إن المشكلة دائماً في نجاح أي نشاط بلا شك تعتمد بالدور الأول على هذين العنصرين. ففي سياق البيئة التشريعية ما زال هناك كثير من القصور خصوصاً في مجال المحاسبة على الأداء أو في مجال العلاقة بين مزود الخدمة (مستشفى خاص أو عام) وسوق التأمين والتي من المفترض أن تكون عادلة للطرفين، حيث يراد النجاح لشركات التأمين وكذلك المستشفيات على حد سواء. أما في مجال الكادر المؤهل من الأطباء والممرضين والفنيين رجالاً ونساء فهناك عديد من الإضاءات المحلية المتميزة وليت المجال يتسع لذكر بعضهم غير أننا – للأسف - لا نعرف عنهم إلا حين يأتي تكريم لهم من خارج الحدود والذين لو قدر لهم مثلما هو في الدول المتقدمة لخلقوا ثقلاً في خريطة الرعاية الصحية. إن الأمل ليزداد يوماً بعد الآخر في وجود مثل هذه النخبة - بفضل الله - ثم بفضل تزايد أعداد خريجي كليات الطب التي لا تخلو تقريباً كل جامعة حكومية من وجودها أو من نتاج خريجي الابتعاث الطموح أو من غيرهما من مراكز البحث المحلية والكليات الخاصة. ليبقى ما هو مهم نحو نمو هذا القطاع وهو البيئة التشريعية والتنظيمية الكفؤة العادلة والتي تضبط إيقاع العلاقة بين محتاج الخدمة ومقدمها عن طريق المستثمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي