التوافق العربي ليس مادة قابلة للتفاوض

عززت القمة السعودية - السورية حقيقة يعرفها الجميع، وهي أن التآلف بين الدول العربية (ولاسيما المحورية منها)، لا ينتج إلا انفراجا، ولا يقدم إلا أدوات تسهم في خدمة الأطراف العربية كلها، بهمومها ومسراتها، وبقضاياها الثنائية والجماعية، وتلك التي ترتبط بالمستقبل العربي ككل. فالتواصل العربي من جهة المركز، سيؤدي بالضرورة إلى تعميق تواصل أطرافه، بما يخدم الحراك العربي المطلوب، في كل الأزمنة، وفي كل القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، الجرح العتيق النازف في جسم الأمة العربية.
وعندما يرد الرئيس السوري بشار الأسد الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - إلى سورية، فهو يعزز مبادرة صاحب المبادرات، الذي لا تعنيه الشكليات بقدر ما تعنيه الإنجازات، ولاسيما تلك المتصلة بالمستقبل، وتلك التي تضع الإرادة العربية في مكانها الصحيح. فخادم الحرمين الشريفين يعرف، أن القرار العربي الناجع لا يأتي إلا من خلال التآلف العربي الواقعي والحقيقي، وأن التشرذم العربي ليس إلا سرطان يغذي الخلايا الخبيثة، لقتل الخلايا الحميدة. ومن أجل ذلك أخذ زمام المبادرة من خلال حزمة مبادرات، تحصن ''الجسم العربي'' من ''الأوبئة'' والأمراض التي تستهدفه، وتمنحه ''اللياقة'' السياسية التي تضمن قدرته على المواجهة، بل لنقل: المواجهات.
المصالحة العربية.. تمثل الهم الأول للمملكة العربية السعودية، ليس في الوقت الراهن فحسب، بل أيضا في الأوقات السابقة. وتضعها المملكة على رأس جدول أعمال كل لقاء عربي، قمة كان أم غير ذلك. وباستعراض الحراك السياسي العربي على مدى العقود الماضية، نجد أن المبادرات السعودية باتجاه المصالحة - سواء المُعلَنة منها أم غير المُعلَنة - أكثر من أن تُحصى. وعلى هذا الأساس الواضح تمارس سياستها العربية، وتدعو أشقاءها العرب (ولاسيما المعنيين مباشرة) إلى إزالة العقبات، لتعبيد الطريق نحو موقف وقرار عربيين قادرين على الدفاع عن الحقوق العربية، وجلب ما هو مسروق منها. ولا شك في أن القمة السعودية - السورية التي عقدت الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية تدخل في هذا النطاق، وتفتح آفاقاً أوسع أمام العمل العربي المشترك.
هذا يعني أن التوافق العربي، ليس مادة قابلة للتفاوض، ويجب ألا تكون خاضعة للنقاش أصلا. كما أن هذا التوافق، ليس موضوعا يطرح ''موسميا''. بل هو ضرورة حتمية، إذا ما أراد العرب أن تكون لهم كلمة مؤثرة وفاعلة تخص مستقبلهم. وقد وقفت المملكة مع هذه الحقيقة منذ وقت بعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي