بناتُ سلمان العودة .. وابنتي!

* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 332.
***
* حافز الجمعة: كم منا يسمع هذه العبارة، «فاته القطار»، «ضاعت عليه الفرصة»، وكأنها تدق ناقوسا زمنياً يوحي بأن مرحلة حياتية، أو أملا معينا، أو هدفا محددا، قد ضاع إلى الأبد. هذا غير صحيح. يجب أن نؤمن جيدا بأن القطارَ الذي فاتنا لم يكن قطارنا، وسيكون هناك لنا قطار، وأن الفرصة التي فاتت لم نملكها لأنها لم تكن ملكنا، فلا نأسف على أمر لا نملكه.. مرّ القطار، لأننا لم نذهب للمحطة، أو أننا ذهبنا متأخرين، وهنا عقوبة وقتية فقط بأن القطار الذي فات لم يعد لك، فابحث عن موعد القطار القادم، وهذه المرة كن حاضرا في الوقت والمكان الصحيحين .. ومن قال فاتت الفرصة، فالفرص لا تفوت، بل هي تأتي تباعا، وما فاتت ملكها آخرون ولا تندم عليها واغتنم فرصة قادمة. الحقيقة يا أصدقائي أن القطارات لا تفوت، فهي لا تتوانى تصل لمحطاتها، كل ما عليك أن تأخذ قطارك، إنما متى هو السؤال؟ والفرص لا تقف لأن الدنيا كلها فرص، الشمس الجديدة تشع فرصا جديدة، ويلف الظلام فرصا في سبيلها للطلوع .. لا تفقد الأمل بأن القطارَ لا يأتي، وأن الفرصة لا تتكرر .. لأنهما يفعلان!
***
* لم تهدأ إيران بعد الانتخابات الأخيرة، هناك من يقول إنها انتخابات زُوِّرَت من أجل صالح الرئيس أحمدي نجاد، وهناك من يقول إن كل شيءٍ جرى على ما ينبغي، ولكن قوى خارجية هي التي تمد أيادي خفية لتحرك ناسا ظاهرين يخلقون هذا الشغبَ الذي ضرب الأمة الإيرانية وأرهقها في كيانها، وفي وحدتها، وفي اقتصادها، وفي تنظيمها الاجتماعي، وفي بناءاتها الإدارية المدنية والدينية .. والدولة الإيرانية تواجه صعوباتٍ كأداءَ حقا، ويشتهر الدبلوماسيون الإيرانيون بعنف جُمَلِهم مع المعسكر الغربي. آخر هذه التصريحات النارية، هو ما نقلته مجلة «التايم» الأمريكية عن لسان «مانوشهر متقي» وزير الخارجية الإيرانية (تصور، رئيس الدبلوماسية الإيرانية) حين وصَفَ لبريطانيا عقابا كالعقاب الذي يستحقه النوع الشيطاني من الأطفال، فيهدد قائلا «إن لم تكف هذه الدولة أذاها الطفولي فإنه ستهبط عليها صفعة على الوجه!» وإيران إن استمرت في مخاطبة الغرب بهذه الطريقة فإما أنها قوية لدرجة أنها ستشن حربا عليهم، وإما أنها ستغضبهم مع مواصلة برامجها الذرية والتسلحية فيخطط الغرب لشنّ حربٍ عليها.. وهناك منطقة في المنتصف إن لم تستعد جديا، ستخسر في الحالتين .. ما هي هذه المنطقة؟!
***
* قضية الأسبوع: قال «أحمدي نجاد» إن السعودية كان يجب ألا تتدخل في الحرب، لأنها كانت مواجهة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وإن كان للسعودية أن تتدخل - كما يقول نجاد - فيجب أن يكون للحكمة في التهدئة بين الطرفين، لا أن تقتل المسلمين. كلامٌ خطير جدا متى ألقي على عواهنه، إنهما اتهامان وليسا اتهاما واحدا، اتهام أن السعودية إذن اخترقت حدودَ اليمن وهذا اجتراح على النظام السيادي بين الدول، وله أن يتقوّل على السعودية ما يشاء ما دام الكلامُ يطلق في الهواء - وبعض الكلام يلوّث الهواء - إلاّ أن تكون السعودية تتعمد الاعتداء. تعي السعودية أن حدودها واسعة، وجيوشها محدودة بالنسبة للمساحة المترامية، فلا ساند منطقيا يدفع السعودية لشن حربٍ عبر الحدود .. فوق أن سياستها منذ بدايتها أخذت الجانبَ الآمن بقناعة عامة غير معلنة أقوى من العلـَن، فهي ليست دولة عسكرية، بل هي أكثر دولة مدنية ربما في العالم، بدليل أن الخدمة العسكرية للمدنيين مطبقة تقريبا في كل دول العالم، ما عدا دول الخليج والسعودية.. دولٌ كل ما فيها يقول إنها ليست دول حرب. وفي عالم مفتوح على الأرض وفي السماء لم يعد للكلام معنى، فوسائل الاتصال تظهر من اخترق الحدود أولا، وما زال، ومن أين وكيف تهرب أسلحة حرب عصابات .. والأمير سعود الفيصل يرد: «كاد المريبُ أن يقول خذوني».
***
* كتاب الأسبوع: يا شيخ سلمان العودة ما هذا؟ كتابٌ بلونٍ وردي، وعليه انتشرت رسومات القلوب، وكأنه دفتر مذكرات بنتٍ مراهقة .. يكاد يصلح غلافا لشاعر مثل «نزار قباني».. ما هذا يا شيخ سلمان؟ كانت كتبُ الشيخ سلمان بعد خروج الشاب عبد العزيز السحيمان وصديقيه وهم من حواريي الشيخ سلمان قد تُرِكَتْ على مكتبي، وبها إهداءاتٌ من الشيخ العودة في غاية التقرب العاطفي لشخص مثلي .. كنت سأغادر بعد صلاة العشاء لحفل زواج لصديق يهمني أن أحضره، ولكن الكتابَ الوردي لفتني، وتعجبت: «كتابٌ للشيخ العودة، ورديٌ زاهٍ بالقلوب» هه! عدتُ لطاولتي، وفتحت الكتابَ للتأكد والفضول، ووجدت إهداءً بخط يد الشيخ، إذن هو كتابه بل ويهديه .. أما عنوان الكتاب فهو «بناتي». أهْ؟! فتحتُ الكتابَ وبدأت أقرأ، وإذا هي مصنفة مثل مقالاتٍ مستقلة ولكنها بحثية علمية إحصائية، وحتى تشريحية بما يفسر ثورات الهرمون في الأجساد الغضة في العمر المبكر للبنات .. لو قرأتَ الكتاب دون أن تعرف المؤلف مسبقا لحسبته لدي ستيوارت، أو كاتي إيثرن، أو لمختص بنفسية المراهقات والتغير البيولوجي في وجودهن .. وأثر ذلك في السلوك، أي ما يتوقع من وظائف بيولوجية ستوجه ما يفرزه العقلُ من أوامر السلوك، وكيف تتعامل معهن الأسرة وبالذات الأمهات .. الكتابُ من النوع الذي تنقلب صفحاته بقوة الفضول التشوقي بلا وقوف، ضحكتُ مراتٍ، ودمعتْ عيناي مرات، وتسامت روحي مرات .. ربما تأثرت كثيرا لأني أبٌ لبنتٍ وحيدةٍ في هذا العمر، وهي بالنسبة إلي الحياة ذاتها .. لذا عندما وضعتُ الكتابَ بعد أن أتيت عليه كاملا .. كنت لا أزال في مكتبي في الرياض .. والساعة شارفت الواحدة صباحا. يتحمل الدكتورُ سلمان العودة تخلفي عن زواج مهم، ويتحمل ضحكاتي ودمعاتي، ويتحمل أني سأنقض على الكتاب مرة أخرى، إن أمكنني، لأني أعدت إهداءه لابنتي .. والدكتور سلمان يقول أسماء بناته ويتلذذ بذكرها، ويحب أن يرى نفسَه بجوارهن في الأسواق والساحات. أوه، نسيت .. اسم بنتي: نورة!
***
* الذي حدث في هايتي كارثة إنسانية ربما الأكبر في هذا القرن، يقال إن مئات الألوف ماتوا، وإن ثلث الشعب يدور عاريا مشردا ضائعا جريحا، وخسائر لا تحصى .. دقيقةُ غضبٍ تحت أرضي هزت كل ما فوق الأرض، على أهل الأرض أن يتكاتفوا جميعا من أجل الأخطار التي هي أقوى من أعتى قواهم، وأن يعرفوا أن الحروبَ والخلافاتِ البينية لا شيء أمام دقيقة غضبٍ كونية!
في أمان الله..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي