Author

أزمة الائتمان مرة أخرى!!

|
في مقالي السابق عن الأزمة الائتمانية، عاتبني أستاذي الكبير الدكتور مقبل الذكير على الطرح بأنه كان غير مفهوم وغامضاً على شريحة كبيرة من القراء الكرام، وهو في الحقيقة عتاب في محله من إنسان أكن له التقدير والاحترام، إلا أن القضية التي ناقشتها في المقال هي في الأساس قضية مهمة ومعقدة ترتبط بمفاهيم اقتصادية ومصرفية قد يصعب فهمها على البعض على الرغم من محاولتي تبسيط الفكرة قدر الإمكان وهو ما سأحاول القيام به مجدداً في هذا المقال. بداية يجب توضيح أن سعر الريبو (اتفاقية إعادة الشراء) يمثل سعر الفائدة الذي تفرضه مؤسسة النقد على المصارف التي تقوم باقتراض الأموال منها، في حين يمثل سعر الريبو العكسي (اتفاقية إعادة الشراء العكسي) سعر الفائدة الذي تدفعه مؤسسة النقد للمصارف التي تقوم بإيداع الأموال لديها. المهم أن هذه الأسعار هي في حقيقة الأمر أسعار استرشادية لأن المصارف لا تقوم بالتعامل مباشرة مع مؤسسة النقد ألا في حدود ضيقة جداً حيث إنها (بدلاً من ذلك) تقوم بالاقتراض فيما بينها لتوفير التكلفة من خلال سعر السايبور الذي يتم احتسابه من خلال المصارف نفسها بشكل يومي اعتمادا على قاعدة العرض والطلب. تكمن أهمية سعر السايبور في أنه السعر الفعلي الذي يتم من خلاله تحديد أسعار الفائدة لعمليات الإيداع الخاصة بالمرابحات الإسلامية والودائع المربوطة لأجل، وتحديد أسعار الفائدة على عمليات الإقراض الخاصة بالتمويل الإسلامي والقروض التقليدية بحيث تكون أسعار الفائدة على الإقراض دائماً أعلى من أسعار الفائدة على الودائع، في حين يمثل الفرق هامش الربح الذي تحققه المصارف من عملياتها المصرفية الرئيسية والمصنفة تحت بند الاستثمارات (بالنسبة للمصارف الإسلامية) وبند العمولات الخاصة (بالنسبة للمصارف التقليدية). بالنسبة لعملاء المصارف، فإن سعر السايبور مهم جداً لهم لأنه سعر فعلي يتم تنفيذه على أرض الواقع، إلا أن ما حصل أخيرا هو أن المصارف توقفت عن التوسع في منح الائتمان منذ بداية 2009م و هذا بدوره أدى إلى ظهور بوادر "أزمة ائتمانية" كانت نتيجتها ارتفاع تكلفة التمويل على المقترضين (وبالتالي ارتفاع أسعار الفائدة على الريال السعودي) من خلال ارتفاع الهوامش التي تفرضها المصارف في حين بقيت كل من أسعار الفائدة المعلنة من قبل مؤسسة النقد وأسعار السايبور عند مستويات دنيا تاريخياً وهو بلا شك مؤشر سلبي كانت له انعكاساته في الفترة الأخيرة على الأسواق الثانوية لكل من الأسهم و الصكوك. تتركز المشكلة في أنه مع ارتفاع هوامش الإقراض التي تفرضها المصارف على عملائها (والتي تمثل حالياً أهم مصادر دخلها في ظل انخفاض أسعار السايبور) فإنه من المفترض أن تحقق المصارف نمواً كبيراً في أرباحها، إلا أن التقارير الإحصائية الصادرة من مؤسسة النقد منذ بداية العام وحتى نهاية شهر أيار (مايو) الماضي توضح أن المصارف لم تحقق حتى الآن نمواً كبيراً في أرباحها، وهذا بدوره يثير كثيرا من علامات الاستفهام حول الأداء المتوقع للمصارف السعودية خلال المرحلة القادمة ويثير أيضاً تساؤلات عن الكيفية التي سيتم بها تمويل المشاريع التنموية العملاقة في هذا الوطن الغالي مستقبلاً وتساؤلات عن الآلية التي ستساعدنا على الخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة!
إنشرها