Author

لماذا تحارب الدول المتقدمة مبدأ «الاكتناز»؟

|
في مقالي السابق الذي تحدثت فيه سريعاً عن ضريبة التركة Inheritance Tax التي تفرضها القوانين الضريبية في بريطانيا عند الوفاة، بنسبة تصل إلى 40 في المائة من أرصدة الحسابات المصرفية والقيمة السوقية للعقارات، كنت قد ذكرت أن بعض الدول المتقدمة (مثل بريطانيا) تحارب الاكتناز من خلال فرض هذه الضريبة، وأن هذا في رأيي هو "مبدأ إسلامي"، إلا أن هذا مع الأسف لم يعجب البعض، حيث أتت انتقادات على عبارة "مبدأ إسلامي"، وأتت انتقادات أخرى على فكرة التشجيع على الإنفاق، واعتبروا المقصود منه هو "التبذير"! بداية، يجب أن أعيد التوضيح بأن بعض الدول المتقدمة عندما فرضت ضريبة التركة على الحسابات المصرفية والعقارات بنسب عالية جداً على الأفراد (سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو حتى غير مقيمين)، فهم يهدفون أساساً لتوجيه رؤوس الأموال إلى الاقتصاد الحقيقي (توظيف وإنتاج و ... إلخ) لإنعاش الدورة الاقتصادية بشكل متواصل، بدلاً من اكتناز رؤوس الأموال لفترة زمنية طويلة على شكل أرصدة خامدة لدى المصارف، أو عقارات ضخمة غير مستغلة، وبالتالي يضطر أصحاب رؤوس الأموال للاحتفاظ بأرصدة معقولة في حساباتهم المصرفية وعقارات قليلة مستغلة جيداً لتفادي دفع ضريبة التركة الجائرة بشكل مقصود. بالنسبة لمبدأ محاربة الاكتناز، أعتقد أن الآية الكريمة التالية من سورة التوبة - قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)، تدل بوضوح على أن ديننا الإسلامي الحنيف يحارب اكتناز الأموال (لاحظوا استخدام لفظ "يكنزون")، وأن الله - عز وجل - يتوعدهم بعذاب أليم. أما بالنسبة للإنفاق والتبذير، فأعتقد أن هناك خلطاً بين المفهومين لدى البعض، لأن المؤكد لنا أن ديننا الإسلامي يشجع دائماً على الإنفاق العقلاني المتوازن، ويحارب التبذير بكل أشكاله، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، ولا شك أن هناك من هم أعلم مني يستطيعون التوسع في هذا الموضوع. ما يهمنا هنا أن الدول المتقدمة تنبهت من زمن بعيد إلى خطورة الاكتناز على اقتصاداتها (ربما أخذت ذلك من الإسلام)، وحاربته من خلال أنظمتها الضريبية ونجحت في ذلك، ولا أبالغ في القول إن من المستحيل أن نجد هناك الآن أي أرصدة مصرفية ضخمة خامدة، أو أي عقارات ضخمة غير مستغلة، بينما تعاني اقتصادات الدول الإسلامية استفحال ظاهرة الاكتناز فيها، إلى حد وصل ببعض المكتنزين - مع الأسف الشديد - إلى الافتخار علناً بعدم دفعهم الزكاة (ذات النسبة المتواضعة مقارنة بنسب الضرائب المرتفعة في الدول المتقدمة)، أو بتهربهم من دفع الزكاة بأساليب يرونها ذكية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ويبقى التساؤل المهم مطروحاً: ماذا فعلنا نحن لمحاربة الاكتناز بكل أشكاله؟ وإلى متى ستستمر اقتصاداتنا تعاني من هذا المرض الذي يفتك بنا؟ ألسنا نحن أولى من غيرنا بمحاربته؟
إنشرها