Author

استراتيجية الإسكان ومشكلة عدم توافر الأراضي

|
قبل أيام، كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عن استراتيجية الإسكان في المملكة، وتحديداً ما يتعلق بمشروع خادم الحرمين الشريفين لبناء 500 ألف وحدة سكنية، والعقبات التي تواجه هذا المشروع منذ أكثر من 18 شهراً، ومن أهمها عدم توافر أراض في بعض المدن الكبرى، حيث اقترح صديقي الغالي أن يتم التركيز على شراء الأراضي الواقعة في الأحياء الشعبية وسط المدن بحكم توافر الخدمات الأساسية (كهرباء وماء وصرف صحي ووسائل نقل واتصالات إلخ)، وبحكم أن تطويرها سيسهم بعمل توازن اقتصادي واجتماعي داخل المدن نتيجة لهجرة السكان نحو الأطراف وتحول وسط هذه المدن إلى مناطق شبه مهجورة. بداية، كنت أميل لرفض الفكرة على أساس ضعف البنية التحتية للخدمات الأساسية حالياً وصعوبة الحصول على أراض بمساحات شاسعة في المناطق الشعبية وسط المدن الكبرى (الرياض على سبيل المثال)، إلى جانب تشتت توزيعها الجغرافي داخل كل مدينة، وهو ما يتعارض بشكل كبير مع خطط واستراتيجيات وزارة الإسكان التي تسعى لتنفيذ هذا المشروع المهم في المدن الكبرى بأسلوب المنح الحكومي بدلاً من الشراء، وبأسلوب التوسع العمودي للبناء، وأخيراً بأسلوب المواقع القليلة التي لا تتعدى الاثنين أو الثلاثة داخل المدينة الواحدة، بهدف تقليل تكلفة البناء قدر الإمكان لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الوحدات السكنية ضمن الميزانية المحددة للمشروع. لكن عندما درست الفكرة بشكل جدي ومتعمق، وجدت أنه من المناسب فعلاً تبني مثل هذه الفكرة في ظل شح الخيارات المتاحة أمام وزارة الإسكان، التي لم تتمكن حتى الآن من حل مشكلة عدم توافر الأراضي، بحيث يكون تبني الفكرة على أساس اختيار عدد كبير من المواقع داخل المدينة الواحدة بدلا من اختيار مواقع قليلة (التنفيذ الأفقي بدلاً من التنفيذ العمودي للبناء)، على ألا يؤثر ذلك في البنية التحتية للخدمات الأساسية حالياً ولا يشكل عبئاً عليها مستقبلاً (في حال تطوير مناطق جديدة في أطراف المدن)، وعلى أساس الشراء المباشر أو التثمين الحكومي، مع إعطاء الأولوية لاختيار الأراضي البيضاء أو اختيار المربعات التي تحتوي على مبان آيلة للسقوط أو بيوت طينية قديمة غير صالحة للسكنى. قد تبدو هذه الفكرة مكلفة مادياً على أساس التنفيذ الأفقي والشراء المباشر اللذين حتماً سيؤثران في الميزانية المخصصة للمشروع بالرفع، لكن عندما نحسب تكلفة عدم تنفيذ المشروع من الأساس وعدم ظهور حلول جذرية تلوح في الأفق حتى الآن فسنجد أن الفكرة مجدية اقتصاديا إلى حد كبير، واضعين في الاعتبار أن تنفيذ الفكرة سيسهم في ضرب عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول تنفيذ الأمر الملكي الكريم في مناطق يفضلها ذوو الدخل المحدود على غيرها من المناطق، والعصفور الثاني حل مشكلة الأحياء الشعبية ومبانيها القديمة التي تهدد حياة كل من يسكنها إن عاجلاً أو آجلاً.
إنشرها