Author

متطلبات إنعاش قطاع السياحة في السعودية

|
من المعلوم أن لدى السعودية العديد من المقومات التي تكفل قيام صناعية السياحة فيها ونجاحها ولهذا فقد اتخذت العديد من الإجراءات التنظيمية لقطاع السياحة, منها: إنشاء الهيئة العليا للسياحة وتنظيم العمرة على مدار السنة بعدما كانت تقتصر على أشهر محددة, والسماح للمعتمرين التجوال في كل مدن السعودية, وإمكانية تمديد فترة العمرة نفسها لمدة محددة, والسماح لركاب الترانزيت بأداء العمرة, وتحسين المناخ الاستثماري، بإصدار نظام جديد للاستثمار الأجنبي, وإعادة النظر في نظام الكفيل, وإصدار نظام لتملك العقار لغير السعوديين, هذا فضلا عن الاتجاه المتزايد نحو التخصيص, والانضمام لمنظمة التجارة العالمية, والموافقة على منح تأشيرات سياحية تسمح للأجانب بزيارة المملكة للسياحة في ضوء ضوابط معينة تحددها الجهات المسؤولة مثل السفارات والقنصليات والممثليات السعودية في الخارج (والتي يبلغ عددها 96) بعثة), وتتعلق بالفترة الزمنية للتأشيرة (مدتها شهر) والسقف الأعلى لعدد التأشيرات وأسعارها وضوابط مغادرة السياح بعد نهاية مدة التأشيرة, وتحديد الأماكن والمواقع المتاحة للزيارة. إذ تعد الموافقة على منح التأشيرات السياحية سابقة وحدثاَ مهما فلم تكن الأنظمة المعمول بها تسمح إلا بمنح تأشيرات للحج والعمرة والعمل العادي والمؤقت والعمل لدى السفارات والقنصليات الأجنبية العاملة بالبلاد أو التأشيرة للمستثمرين الأجانب في مشروعات تجارية أو صناعية, أو منح تأشيرة لمن يرغب في مجاورة الحرمين الشريفين( من أجل العبادة فيها) أو لطلب العلم. أما القدوم إلى السعودية من أجل السياحة فقط فلم يسبق تنظيمه حيث ظلت السعودية بعيدة عن خريطة السياحة العالمية ( الأثرية والتاريخية). فهذا التنظيم الجديد يلبي متطلبات قطاع مهم من قطاعات الدولة اتسم بالتهميش والخمول من قبل, ومن ثم فإن من أهم آثاره الاقتصادية الإيجابية أنه سيساعد على رفع كفاءة تشغيل القطاعات الاقتصادية الأخرى وزيادة القيمة المضافة للقطاع السياحي, وإنعاش جميع الأنشطة ذات الصلة به مثل قطاعات الفنادق والشقق المفروشة والمستشفيات والنقل الداخلي والدولي بأنواعه المختلفة, ووسائل الاتصالات والإسكان والتغذية والمنشآت الترفيهية والكماليات والعمالة والسوق الاستهلاكية, مما يترتب عليه إنعاش قطاع السياحة ونقله نوعيا من قطاع موسمي (إذا أخذنا في الاعتبار موسم الحج والعمرة) إلى قطاع سنوي مستمر يشكل موردا جديدا من موارد الدخل الوطني للبلاد, فيسهم مع غيره من القطاعات الاقتصادية في تحقيق النمو الاقتصادي والتغلب على المعوقات وحماية الاقتصاد السعودي من التقلبات ولاسيما بعد التقلبات في أسعار النفط في السنوات الماضية الذي يعد المصدر الأول والأساسي للدخل الوطني, ولذا يجمع المسؤولون والاقتصاديون والخبراء على أن خير وسيلة لمواجهة هذه التقلبات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي هي تنويع مصادر الدخل الوطني بالبحث عن مصادر جديدة وتفعيلها لتسهم بدور مباشر في دعم الاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من أنه لا توجد حتى الآن أرقام وإحصاءات دقيقة عن العائد الاقتصادي الذي يتوقع أن تحققه السعودية من السياحة إلا أن البعض يتوقع أن يصل عدد السياح إلى السعودية خلال خمس سنوات إلى أكثر من 3 ملايين سائح, عدا من يأتي للحج والعمرة, وإذا أخذنا في الحسبان أن إنفاق السائح الواحد يمكن أن يصل في المتوسط إلى 4000 ريال سعودي فيكون إجمالي العائدات السياحية المتوقعة خلال هذه الفترة نحو (12) مليار ريال سعودي. وأرى أن فاعلية هذه الإجراءات التنظيمية لقطاع السياحة تتطلب وضع خطة متكاملة لزيارة المعالم السياحية ولاسيما التاريخية التي تتميز بها السعودية والتي يصل عمر بعضها إلى أكثر من ألفي سنة مثل مدائن صالح, ويكاد يجمع المتخصصون في حقل الآثار على أن أرض الجزيرة العربية قد ارتبطت بمختلف الحضارات الإنسانية القديمة التي شكلت بوجودها مواقع أثرية مهمة في عدد من المناطق بالسعودية وسجلت بنقوشها وكتاباتها المحفورة على الصخور والجبال أقدم الثقافات البشرية. كما يتطلب ذلك إدخال السياحة البيئية ضمن هذه الخطة (وهي السياحة التي يراعى فيها الزوار الأبعاد البيئية وتحترم النمط الثقافي والاجتماعي للبلد الذي تنفذ فيه الزيارات), وتقدر نسبة الإنفاق البيئي العالمي بنحو 20 مليار دولار أمريكي, ويقدر النمو العالمي المتوقع في هذا الفرع من السياحة بنسبة 2.4 في المائة طبقا لتقديرات منظمة السياحة العالمية. وقد بدأ الاهتمام بهذا الفرع من فروع السياحة منذ عقد مؤتمر الأرض المعروف باسم قمة ريوديجانيرو, الذي أوصى بأهمية اعتبار السياحة البيئية أحد المحاور التي يجب التركيز عليها في إطار الاهتمام بالبيئة وأبعادها. ومن المعلوم أن السعودية لديها وديان وكثبان رملية وتضاريس متباينة ومناخ معتدل دافئ ومتنوع صيفا وشتاء, فضلا عن شواطئها على البحر الأحمر والخليج العربي التي تبلغ حوالي 180 ميلا بحريا, مما يجعلها أرضا جاذبة للسياحة البيئية على مدار السنة. هذا فضلا عن ضرورة وضع وتنفيذ برامج إعلامية متخصصة (مسموعة ومقروءة ومرئية) تهتم بالسياحة كما في البلدان المتقدمة, وتتولى التعريف بالآثار السياحية بالسعودية وكيفية الاستفادة من الكوادر المؤهلة من العلماء والباحثين في مجال الآثار والإعلام للإعداد لمثل تلك البرامج, وبث الوعي الأثري والتاريخي والحضاري ورفع مستواه. ووضع خطة ترويج تقوم بها القنصليات والسفارات السعودية في الخارج بالتنسيق مع الهيئة العليا للسياحة, التي تضطلع بمهام جسام في هذا المجال, هذا فضلا عن الترويج للسياحة في السعودية من خلال الحضور الفعال في السوق السياحية الدولية التي تقام في ربيع كل عام. أصبحت السياحة أحد أهم الروافد الاقتصادية للدخل الوطني للعديد من دول العالم (مثل مصر حيث يوفر لها قطاع السياحة نحو 3.7 مليار دولار في العام, وفي إسبانيا تمثل عائدات السياحة نحو 90 في المائة من إجمالي دخلها, ويزورها على مدار العام أكثر من عدد سكانها). ويشير تقرير صادر عن اتحاد السياحة الألماني إلى نمو القطاع السياحي في العالم اعتباراَ من عام 1998م وما بعده, حيث وصل عدد السياح الذين سافروا إلى دول غير دولهم نحو(625) مليون شخص, في الوقت الذي زادت فيه نفقات السياح إلى حدود 445 بليون دولار, مسجلا بذلك رقما قياسيا لم تعرفه السياحة الدولية من قبل.
إنشرها