Author

التربية الشورية همزة الوصل بين سقف المدرسة وقبة المجلس

|
[email protected] على الرغم من حداثة التجربة الشورية في المملكة بصيغتها المعدلة التي أقرت عام 1412هـ, إلا أن مجلس الشورى استطاع أن يحقق من الإنجازات قدراً يفوق الصلاحيات الممنوحة له نظاماً نتيجة الدعم اللامحدود الذي يتلقاه من ولاة الأمر, ولحرص أعضائه المستمر على تفعيل الدور المنوط بالمجلس واستشعارهم المسؤولية الكبرى الملقاة على عواتقهم. ومع ذلك فإن جهود المجلس لا تزال بعيدة في مجملها عن طموحات العديد من مؤسسات المجتمع فضلاً عن أنها لم تواكب إلى حد كبير تطلعات المواطن العادي أو تلامس أولويات همومه الحياتية. وتمثل قضية التواصل والاتصال بين المجلس وسائر مؤسسات المجتمع على وجه العموم، والمؤسسات التعليمية والتربوية على وجه الخصوص إحدى المعضلات الأساسية التي تحول دون تكوين شراكة حقيقية يتم في ضوئها ترسيخ الثقافة الشورية وتعزيزها على مستوى المدارس والمعاهد والكليات والجامعات, والتعريف بما يدور في المجلس من أنشطة وفعاليات ودراسات تتبلور في نهاية المطاف إلى مشاريع وأنظمة وتقارير تصب في مصلحة المواطن ومؤسسات الوطن على حد سواء. وفي اعتقادنا أن مفهوم التربية الشورية وما ينبثق عنه من صيغ إجرائية يمثل مدخلاً حيوياً لسد "الفجوة" و"الجفوة" القائمة بين قبة المجلس وسقف المدرسة, لما يوفره هذا المفهوم من قنوات اتصال وتواصل فعال, لا تقتصر فوائده على المجلس والمدرسة, بل تمتد آثاره لتشمل قاعدة عريضة من شرائح المجتمع ومؤسساته في المنظورين القريب والبعيد معا، نظراً لاتساع نطاق القطاع التعليمي وانتشاره في أرجاء المملكة كافة, واستناداً إلى الحقيقية السكانية, حيث يضم القطاع التعليمي نحو ثلث سكان المملكة, يمثلون مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية المكونة للمجتمع السعودي. وبدهي أن النهج الشوري قد تتسع حلقاته بانتقال آلاف الخريجين من المؤسسات التربوية والتعليم إلى مرحلة العمل في القطاع الحكومي أو الخاص, الأمر الذي قد يسهم في ترسيخ قواعد العمل الشوري وانتشارها على المستوى الوطني. ولسنا هنا في مقام الحديث عن تفاصيل تطبيق برنامج التربية الشورية, إلا أنني أود التذكير بالتجربة المريرة لتطبيق برنامج التربية الوطنية في مدارس التعليم العام التي تم الاستعجال في تنفيذه بشكل أسهم إلى حد كبير في جوانب القصور والفشل التي عانتها ولا تزال هذه التجربة. من هذا المنطلق فإن إسناد الأمر إلى لجنة من الخبراء والمتخصصين تحت مظلة اللجنة العليا لسياسة التعليم وبمشاركة فاعلة من مجلس الشورى والأجهزة المعنية, لوضع تصور متكامل عن أهداف برنامج التربية الشورية وآليات تنفيذه ومعايير تقويمه, قد يمثل الضامن الأساسي لإمكانية نجاح التجربة. إن التربية الشورية في أبسط معانيها, تعنى بتزويد الناشئة والشباب من منسوبي قطاع التعليم بمختلف مستوياته بالمعارف والمهارات والقيم التي تمكنهم من استيعاب النظام الشوري وتقديره وتفعيله على المستوى الشخصي أو المجتمعي, وفي هذا الإطار فإنه من المتوقع أن يتزامن مع تطبيق برنامج التربية الشورية في القطاع التعليمي, نشوء العديد من اللجان والهيئات الاستشارية المكونة من الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور التي تمثل نماذج مصغرة لمجلس الشورى بحيث تسهم هذه اللجان والهيئات في تزويد صاحب الصلاحية أو القرار في المؤسسات التعليمية والتربوية بالمشاريع والأنظمة والتقارير التي تصب في صالح الأفراد من منسوبي المدارس والمجتمع المدرسي معاً. إن مجلس الشورى بوصفه نواة السلطة التشريعية لمثلث العمل السياسي جنباً إلى جنب مع السلطة التنفيذية والسلطة القضائية تقع على عاتقه مسؤولية تهيئة المجتمع وإعداده للمشاركة المجتمعية وفقاً للمنهج الشوري, ومن هذا المنطلق فإن برنامج التربية الشورية قد يمثل ركيزة أساسية تؤمن التحول التدريجي لمشهد الحياة السياسية للمجتمع السعودي في المرحلة المقبلة, وتهيئ شرائح المجتمع ومؤسساته للتعامل معها بكفاءة واقتدار, ويجسر الهوة القائمة بين المجلس والمجتمع ويفتح نوافذ رحبة للتواصل والاتصال الحقيقي الذي لا يقتصر على مجرد دعوة المجلس نفرا من أبناء المجتمع بين الفينة والأخرى, أو إتاحة فرص التعبير لأفراد المجتمع عن آرائهم من خلال لجنة العرائض, أو ظهور إعلامي لا يبرز تفاصيل وملابسات ودقائق العمل الشوري, الأمر الذي قد ينعكس سلباً على إنجازات المجلس وجهوده. إن المدرسة قد يندرج تحت سقفها مشروع وطني طموح للتربية الشورية يمثل نقطة تحول كبرى في مسيرة العمل الشوري, بل إنه يمكن توظيف اللجان والهيئات الاستشارية في المؤسسات التربوية بمثابة معامل ومحطات تجريبية للتعديلات والتطويرات المقترحة للتجربة الشورية وفي حال ثبوت صلاحيتها وفاعليتها يتم الأخذ بها على مستوى المجلس. وفي الختام, فإن تبني مفهوم التربية الشورية وتطبيقاته الإجرائية يستلزم توفير العديد من المتطلبات ويستوجب إزالة العديد من المعوقات التي تضمن سلامة التطبيق ونجاح التجربة وفي مقدمتها الإرادة والدعم السياسي والتنسيق والتكامل بين الأطراف المعنية وسن اللوائح والتشريعات المنظمة وتوفير الإمكانات البشرية والمادية اللازمة. وباختصار فإن التربية الشورية قد تكون همزة الوصل بين سقف المدرسة وقبة المجلس تمهيداً لبناء مجتمع شوري قادر على التعامل مع المعطيات المستقبلية المحتملة لتطور المنظومة السياسية في بلادنا الغالية.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها