مسيرة العمل الخليجي التربوي المشترك خلال 25 عاما: الإنجازات والطموحات

حظي التعليم بأولوية خاصة من لدن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، انطلاقا من إيمانهم الراسخ بأن بناء الإنسان الخليجي هو الثروة الحقيقية لشعوب ودول المنطقة، وهو الركيزة الأساسية لتعزيز العمل المشترك في شتى المجالات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية.
وعلى الرغم من أن هذا الاهتمام البالغ بمجالات التربية والتعليم الذي تعود بداياته إلى إنشاء مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية، يمكن الاستدلال عليه من خلال أمور عديدة، حيث تضمن كل من النظام الأساسي لمجلس التعاون، الاتفاقية الاقتصادية، واستراتيجية التنمية الشاملة لدول المجلس بنودا كثيرة تنص على ضرورة بناء الإنسان القادر على المشاركة الفاعلة في التنمية، والقادر على مواجهة تحديات العصر ومتطلباته في إطار الهوية الحضارية والثقافية لدول المجلس، إلا أن قرارات المجلس الأعلى التي اتخذها بشأن تطوير قطاع التربية والتعليم، ولا سيما في الأعوام الخمسة الأخيرة، تمثل قفزة نوعية تعكس الحرص والاهتمام الكبيرين للقادة بهذا القطاع الحيوي المهم.
ولعل أبرز ما يلحظ على هذه القرارات هي شموليتها لمؤسسات التعليم كافة بمستوييه العام والعالي، وتركيزها خاصة في الدورات الأخيرة لقمم المجلس الأعلى على أهم القضايا المفصلية للتعليم من حيث علاقته بالتنمية وبناء المواطن "الصالح المنتج".
وما من شك أن المتتبع لتنفيذ هذه القرارات وآليات وضعها موضع التنفيذ، يدرك الجهود الحثيثة التي تبذلها الأمانة العامة لمجلس التعاون من خلال الإعداد والتهيئة والتنسيق مع اللجان الوزارية المعنية بالتعليم العام أو التعليم العالي في الدول الأعضاء، إضافة إلى اللجان الفرعية والفنية المنبثقة عنها، التي تحرص جميعها على الاستجابة لتنفيذ القرارات الصادرة من المجلس الأعلى بشأن التعليم.
إن المتابع المنصف لمستوى تنفيذ هذه القرارات لا بد له أن يشيد بالجهود الحثيثة والإنجازات الكبيرة التي تحققت على المستوى القطري لكل دولة من دول المجلس، انسجاما وتزامنا مع قرارات المجلس الأعلى لدول المجلس.
إلا أن نظرة فاحصة لمشاريع وبرامج العمل المشترك في دول المجلس على المستوى الجمعي التي أعدت أو نفذت في ضوء قرارات المجلس الأعلى تكشف عن الحاجة الماسة إلى تكثيف الجهود وإعادة النظر في أسلوب تنفيذ القرارات المعمول به حاليا، في ضوء رؤية جديدة وثقافة جديدة تعززان من جهود العمل التربوي المشترك على أساس أن العمل المشترك الحقيقي، هو ذلك الذي يضيف قيمة جديدة أي مضافة، ناجمة عن تضافر الجهود بما يعظم الفائدة المشتركة ويقلل الكلفة ولا يهدر الوقت، ويؤسس في الوقت نفسه التكتل الخليجي التربوي القادر على مجابهة المنافسة والتحديات العالمية المعاصرة في قطاع التربية والتعليم، ولا سيما في ضوء الانضمام المتوقع لجميع دول المجلس إلى منظمة التجارة العالمية.
ولو استعرضنا بإيجاز أهم القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى ومدى تنفيذها الإجرائي على أرض الواقع، لاتضح لنا إيجابيات التنفيذ وسلبياته بصورة قد تمكننا من عقد العزم مستقبلا على تعزيز جوانب التنفيذ الإيجابية، واستدراك جوانبه السلبية.
في عام 1406 (1985) أصدر المجلس الأعلى قرارا بمعاملة كل طلاب دول المجلس في مراحل التعليم الابتدائي، المتوسط، والثانوي معاملة طلاب الدولة مكان الدراسة، والاعتراف المتبادل بالشهادات والوثائق الرسمية الصادرة من دول المجلس، دون أن تتطلب التصديق من السفارات والملحقيات الثقافية ووزارات الخارجية.
وفي عام 1408هـ (1987) صدر قرار المجلس الأعلى بمساواة طلاب دول المجلس في مؤسسات التعليم العالي في القبول والمعاملة، مع طلاب الدولة مقر الدراسة وفق معايير وضوابط محددة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما مدى تطبيق هذين القرارين على أرض الواقع في كل من قطاع التعليم العام والتعليم العالي؟
وفي عام 1406 (1985) أقر المجلس الأعلى وثيقة أساسية تحدد الأهداف والوسائل الكفيلة بتحقيق دور التربية والتعليم في مقابلة احتياجات خطط التنمية والتكامل في دول المجلس، شملت التعليم العام، التعليم العالي، والبحث العلمي. والسؤال الذي لا يزال قائما: إلى أي مدى تمت الإفادة من هذه الوثيقة من قبل اللجان الوزارية المعنية، خاصة ما يتعلق منها بالعمل الجماعي المشترك لمواجهة التحديات والقضايا التعليمية والبحثية التي تواجه دول المنطقة بأسرها؟
وفي عام 1993 اتخذ المجلس الأعلى قرارا بخصوص جامعة الخليج العربي حرصا من القادة على استمرارها كأحد نماذج العمل المشترك، ومع تقديرنا لمسيرة هذه الجامعة وإنجازاتها، إلا أن مسيرتها المتعثرة في بعض الجوانب المالية والعلمية تعكس إلى حد ما تدني ثقافة العمل التربوي المشترك في دول المجلس.
أما في عام 1995 فقد أقر المجلس الأعلى قرارا بالسماح لمواطني دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين بممارسة النشاط الاقتصادي في عدد من المجالات التعليمية والتدريبية، وفقا لبعض الضوابط والشروط. والسؤال الذي تنبغي إثارته: ما حجم الاستثمار التعليمي المتبادل منذ صدور القرار حتى الوقت الحالي لمواطني دول المجلس؟
ثم تلا ذلك استصدار المجلس الأعلى قرارات متتابعة بخصوص التعليم في الفترة من 1421هـ ـ 2000 إلى 1426هـ ـ 2005، لعل أبرزها ما يلي:
الخطة المشتركة لتطوير المناهج في قطاع التعليم العام عام 1421هـ/ 2000 واعتماد المجلس الأعلى مرئيات الهيئة الاستشارية بشأن تطوير المنظومة التعليمية عام 1422هـ/ 2001 وتوجيه للجان الوزارية المختصة لوضع الآليات اللازمة لتنفيذها.
وما يتعلق أيضا بالجانب التعليمي في قرار المجلس الأعلى بشأن وثيقة الآراء المقدمة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز "ولي العهد آنذاك"، إضافة إلى إقراره دراسة التطوير الشامل للتعليم في دول المجلس عام 1424 ـ 2003، وأخيرا توجت تلك القرارات في قمة الكويت 1425هـ ـ 2004 بوضع خطة موحدة لتطوير التعليم في دول المجلس في ضوء المرجعيات الأربع: وهي الخطة المشتركة لتطوير مناهج التعليم، مرئيات الهيئة الاستشارية، الجانب التعليمي لوثيقة الآراء، ودراسة التطوير الشامل، واستمر التأكيد من لدن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس على ضرورة تنفيذ ومتابعة القرارات الخاصة بالتعليم في قمة أبو ظبي 1426هـ ـ 2005.
وعلى الرغم من جهود اللجان الوزارية في قطاع التعليم، لوضع هذه القرارات الحاسمة موضع التنفيذ، إلا أنه ينبغي التأكيد على أن إخراج المشروع التربوي الخليجي بما يحقق طموحات القادة ويستجيب لتطلعات مواطني دول المجلس، ولا سيما المعنيين بشؤون التعليم أو منسوبيه، يستلزم على قيادتنا التعليمية توفير عدة متطلبات أساسية تضمن دقة تنفيذه وجودته، لعل من أهمها تبني ثقافة العمل التربوي المشترك، والنزوع إلى العمل المؤسسي لتنفيذ تلك القرارات، إضافة إلى الاستعداد لتحمل كلفة التطوير التربوي المشترك.
إننا إذ نحتفل هذا العام باليوبيل الفضي لإنشاء مجلس التعاون، فإن من أهم منطلقات وأسس ومضامين هذا الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعا، هو أن نقوم بمراجعة تقويمية مبنية على المكاشفة والمصارحة لما تحقق من إنجازات في مسيرة العمل المشترك في دول المجلس، ولا سيما في مجال التعليم، وما نطمح إليه مستقبلا.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي