قبائل أرض الأخدود.. تنتظر مكرمة الملك عبد الله

[email protected]

نجران، عسير، وجازان (ياقوت وزمرد ومرجان)، تستقبل عهدا جديدا بثوب حديث بمناسبة زيارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وما تحصده هذه المناطق الثلاث، ليست مشاريع يعتمدها وزير، بل نقلة حضارية واقتصادية لجنوب الجزيرة العربية بسياسة ملك وولي عهده الأمين، ربطا خلالهما المدن الثلاث بمقومات إنمائية متكاملة، قوامها زراعة في نجران، وسياحة في عسير، وصناعة في جازان.
في هذه المناطق الثلاث، كل أمير منطقة سجل في عهد (أبو متعب بصمة من ذهب)، فنجح الأمير مشعل بن سعود بمشاريع (الحياة) وهي المياه والكهرباء، فلم تسكن أطهر بقاع الأرض مكة إلا بعد (ماء زمزم)، في حين رسم الأمير خالد الفيصل لوحة فنان لجبال عسير وساحل الشقيق بمشروع سياحة خضراء، وغير الأمير محمد بن ناصر دفة القارب من صيد الأسماك إلى صناعات الكيمياء والأحياء.
لكن وعلى رغم ذلك كله، يبقى الإنسان السعودي هو العنوان الرئيسي في التنمية السعودية، وقبائل منطقة نجران، ينتظرون زيارة الملك الإنسان خادم الحرمين الشرفيين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بقلوب متلهفة، تراودهم أحلام "مكرمة" لقبائل (يام وهمدان)! مولاي خادم الحرمين: كذلك قبائل عروس الصحراء والربع الخالي (شرورة)، يحدوهم أمل كبير في تصحيح أوضاع المتبقي من أبنائهم، فتكون مكرمة ملكية في أرض الأخدود تحسب لكم عند رب المعبود. إن تصحيح أوضاع أبناء قبائل شرورة، بالإمكان أن يتحول إلى (حقيقة)، خصوصاً إذا علمنا أن قضية (البدون)، الذين يمثلون شريحة مهمة من المواطنين في المجتمعات الخليجية، أصبحت حديث الساعة، وأغلبهم ينتمون إلى الأصول والهوية الاجتماعية نفسها التي ينتمي إليها المواطنون بصفة أصلية.
ولعلي هنا أستشهد بدراسة أعدها الدكتور محمد حسين اليوسفي في مجلة "الأزمنة العربية"، سلط فيها الضوء على بعض الظواهر المتعلقة بالجنسية والمواطنة في دول مجلس التعاون الخليجي، بصفة أصلية أو حسب نظام التجنيس. وينطلق أهمية الموضوع في علم الاجتماع القانوني أنه يرتكز على القوى الفاعلة في وضع الأنظمة، ومدى نجاحها في التطبيق العملي وليس النظري، وآثاره في الحياة الاجتماعية. ولن أخوض يا سيدي في المسائل النظامية أو التاريخية إلا بالقدر الذي يوضح أهمية الصورة الاجتماعية.
(أولا) الجنسية بصفة أصلية: إن الجنسية الأصلية حق يؤخذ بقوة النظام والأرض، ولكن هذا المبدأ في الواقع التطبيقي يخضع لاعتبارات سياسية واجتماعية، من حيث التوسع في التمتع بهذا الحق، أو التشدد في الشروط الواجب توافرها إثباتاً لهذا الحق. وحسب دراسة اليوسف، فإن المجتمعات الخليجية تنقسم في ذلك إلى قسمين:
(1) يوصف بأنه نظام تتشدد في هذا الحق: وتطبقه دول مثل: البحرين، الإمارات، قطر، والكويت، وإن كانت الأخيرة تساهلت حتى نهاية الستينيات، والبحرين، قطر، والإمارات حتى نهاية السبعينيات لاستكمال مقومات الدولة وعهد الاستقلال. وفي الإمارات حظيت القبائل العربية من "قبائل بر فارس العرب" والحضارم بمعاملة خاصة، ثم ما لبثت أن تشددت في حق التمتع بالجنسية بصفة أصلية.

(2) يوصف أنه تفاعل سياسياً واجتماعياً مع هذا الحق، وتطبقه المملكة العربية السعودية، حيث واصلت الحكومة نظام الترابط بين أفراد قبائلها مرتكزة على الحقوق الشرعية والاجتماعية وحق التمتع بالجنسية الأصلية، مثل القبائل التي هاجرت من الجزيرة العربية في فترات تاريخية مختلفة واستوطنت في العراق والشام وأصولها من نجد، فكان لهم القرار الملكي بعودة الفرع إلى الأصل، كقبائل الظفير، عنزة، وشمر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تبعية هذه القبائل كانت موضع خلاف في مؤتمر العقير عام 1922 بين الوفدين السعودي والعراقي، لأن النجديين هم الذين أسسوا مدينة الزبير قبل ثلاثة قرون. فأصدر لهم عدة أوامر كان آخرها مرسوماً ملكيا عام 1393هـ على (منح النجديين المقيمين في العراق جنسيتهم الأصلية).
كذلك قبائل (الصيعر) التي تقطن الحدود الجنوبية، وبناء على وثيقة المعاهدة للدولة السعودية الأولى بين الأمير سعود آل فيصل، ومعيقل آل غضبان الصيعري عام 944هـ، والتي جددت مع الدولة السعودية الثالثة بالولاء والطاعة في عهد الملك فيصل عام 1389هـ بعد حرب الوديعة وكذلك قبائل الكرب، المناهيل، المهرة، وآل كثير.
وشمل (المكرمة الملكية) بعض القبائل التي استوطنت نجران وشرورة هربا من الاستعمار والاشتراكية مثل: قبائل همام، المصعبين، بالحارث، بن محفوظ، القثم، نهد، والعوالق، إذ يسرت لهم الحصول على الجنسية السعودية بصفة (أصيل) ضمن أوامر ملكية سابقة وعن طريق لجان صححت أوضاعهم ولم يتبق منهم إلا القليل.
ثانياً: الجنسية بصفة التجنس: إن السياسة المتبعة في المجتمعات الخليجية هي عدم الأخذ بالتجنيس كآلية لتعديل التركيبة السكانية، فبعض دول الخليج قد أغلق بالتجنيس بشكل كامل مثل الكويت منذ نهاية الستينيات، مع أنه مسجل لديها 200 ألف حالة بدون، وبعضها يمنح الجنسية بسبب حاجة التنمية الاقتصادية مثل: البحرين وقطر، وفي المملكة يتم تصحيح أوضاع القبائل من خلال أوامر ملكية محددة. وكل دول الخليج لديها نظام حديث للتجنيس، ومن المعروف أن اكتساب الجنسية بالتجنس هو منحة وليس حقا، وهذه المنحة يرجع تقديرها إلى النظام.
وبشكل عام، فإن (المتجنسين) ينقسمون إلى قسمين: الأول (المتجنس) وأبناؤه القصر والراشدون وقت تجنسه، ويتعاملون حسب النظام على أنهم متجنس وليس أصيلا، أما القسم الثاني فهو (أبناء المتجنس) الذين ولدوا بعد اكتساب أبيهم الجنسية، وهؤلاء يتعاملون حسب النظام (أصيل)، وهي صور مختلفة نظامياًُ عن أبيه المتجنس حيث نص نظام الجنسية لكل من: السعودية، الكويت، قطر، وعمان ، بمعنى أن ابن المتجنس الذي ولد بعد اكتساب أبيه الجنسية مواطن بصفة "أصلية". في حين يعتبره نظام الجنسية في البحرين والإمارات متجنساً، وهذا الأخير من شأنه خلق فئة من المجتمع تتوارث التجنس جيلاً بعد جيل دون أن يكون لها أمل في التمتع بالمواطنة الكاملة.
ثالثا: المواطنات الخليجيات المتزوجات من أجانب، وهذه مشكلة تخص المرأة الخليجية في الجانب الاجتماعي وليس النظامي، إذ إن المشرع الخليجي لا يستطيع تجاهل العادات والتقاليد الاجتماعية، لذلك نص النظام في دول مجلس التعاون الخليجي، أنه يعتد بجنسية الأب أساساً لجنسية الأبناء إلا في حالات معينة كأن يكون مجهول الوالدين أو صعوبة إثبات نسبه إلى أبيه. وهذا يعني أن أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب بحكم الأجانب مما يفقدهم التمتع بالميزات التي يتمتع بها المواطن الأصيل، فضلاً عن اضطرارهم إلى كفيل واستخراج طلب الإقامة وتجديدها. غير أن السعودية في عام 2005 وضعت نظاماًُ وسطياً وعدلت بموجبة المادة الثامنة من نظَام الجنسية العربية السعودية الصادر رقم 8/20/5604 وتاريخ 1374هـ لتصبح بالنص التالي "يجوز منح الجنسية العربية السعودية بقرار من وزير الداخلية لمن ولد داخل السعودية من أب أجنبي وأم سعودية إذا توافرت الشروط التالية: وهي الإقامة الدائمة، حسن السيرة والسلوك وإجادة اللغة العربية".
وهناك من كان مع الاتجاه الدولي باعتبار جنسية الأم كجنسية الأب من حيث آثارها في الأبناء، بمعنى أن يتمتع أبناء المواطنة بجنسية أمهم إذا رغبوه بغض النظر عن جنسية أبيهم. وهذا يتماشى مع اتفاقية القضاء على جميع مظاهر التمييز ضد المرأة الصادرة من هيئة الأمم المتحدة سنة 1989. وعملت بها تونس. بالمادة 6/3 على أنه "يعتبر تونسياً الطفل المولود من أم تونسية وأب أجنبي". وأعلنت الأردن أخيرا نيتها لتطبيق ذلك في المؤتمر الثاني لقمة المرأة العربية، الذي انعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2002.
ختاما إن أهمية القضاء علي مشكلة "البدون أو غير محدد الجنسية" في مجتمعات الخليج يشكل رحمة اجتماعية، على أن يرتكز ذلك على نظام عملي واجتماعي تراعى فيه مصالح هذه المجتمعات من جهة وتسير ضمن العدالة الإسلامية من جهة أخرى. ولعل حساسية هذا الموضوع نابعة من الرغبة في المحافظة على التركيبة الاجتماعية، لذلك فإن أصوات ذوي الأقرباء الذين أمضوا سنوات طويلة من العمر وامتزجوا بهذا المجتمع وأصبحوا من نسيجها الاجتماعي. إن هذه الشريحة من المجتمع ليس لهم بعد الله إلا أنت يا (ملك الإنسانية)!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي