الخلافات العائلية المالية.. أين الخلل؟ وكيف المخرج؟

[email protected]

كنت وبعض زملائي في زيارة لإحدى المناطق، فدُعينا ولبينا مسعى إصلاح بين أخوين دام خلافهما نصف قرن بسبب تشاكسهما على تركة والدهما... كان طاعناً في السن قد جاوز الثمانين... وبمجرد الدخول عليه أدرك أن هؤلاء الأضياف لأجل الإصلاح.. فبادرنا برصاصات قاتلة خرجت من فمه، لتجهز على أي بصيص من نور الإصلاح.. قال: يا جماعة لو جاءني محمد رسول الله ليصلح... والله ما قبلت!!.
سبحان الله! أي حقد أوصله لهذا الكره نحو شقيقه الذي سكن هو وإياه رحماً واحداً.. وارتضع هو وإياه ثدي أمٍّ واحدة؟!
هذه الخلافات العائلية التي سببها المال والتكالب عليه، وبخاصة إذا كان إرثاً بين الإخوة والأخوات وجدت في القديم كما في الحديث، وكم تسببت في هدم كيان عدد من الأسر.. لا، بل أجهزت عليها وأثارت العداوات البغيضة، حتى استكملوا أعمارهم وماتوا وهم مقيمون على هذه القطيعة وتلك العداوات.
ومن المقطوع به أن الشريعة الإسلامية قد أوجدت من سبل الوقاية لهذه المشكلة ما هو معلوم لمن أنعم التأمل في نصوص الوحيين، ومن ذلك: أن الله تعالى حدد نصاب كل وارث من الذكور والإناث، فلا مجال لأن يدلي أحدٌ برأي أو يغمط حقاً لأحد. وكذلك التعامل مع تركة الميت بينت الشريعة ما فيها من الحقوق الواجبة. وهكذا أموال اليتامى وكيفية حفظها ورعايتها، إلى غير ذلك من التنظيمات الشرعية لهذه المسألة.
وفي الغالب أن الخلل تسلل لهذه العلاقات بسبب إهمال من الطرفين لشيء من ضوابط التعاملات، كتقييد الديون وكتابتها، أو تحديد الملكيات الخاصة والمشتركة. أو بسبب ارتكاسة بعض النفوس في حمأة الكذب والكتمان.
وحيث إن هذه الخلافات العائلية التي سببها المال تجعل النفوس محتقنةٍ إلى حد عدم قبولها من الطرف الآخر أي مبادرة فمن المهم أن يوجد بينهما طرف ثالث يتسم بالحكمة والحياد ليتمكن من الإصلاح بينهما.
ومن الأهمية بمكان أن يكون هذا الحَكَم بينهما هادفاً إلى وصل ما انقطع من روابط الرحم بين المختلفين، لا أن يقف عند حدود فضِّ التداخلات المالية فحسب، إذ الأُولى هي الأجل شأناً. ومتى صدق هذا الوسيط ـ شخصاً كان أو أكثر ـ وكان قصده الإصلاح فسيكون لهذه النية الصالحة أثراً عظيماً في الصلح، لعموم قول الله تعالى في شأن الحكمين اللذين يندبان للصلح: (إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) ومعنى التوفيق بينهما: إرشادهما إلى مصادفة الحقّ والواقعِ، فإنّ الاتّفاق أقرب لهما في حكمهما. وبخاصة إذا أراد المختلفان ذلك.
ومهما يكن من أمر فإني أذكِّر ذوي الرحم الذين فرَّقتهم خلافات الأموال.. أذكرهم بقول الله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " تَقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قَتَلْتُ، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قَطَعتُ رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطِعت يدي، ثم يَدَعُونه فلا يأخذون منه شيئا" رواه مسلم.
فليكن الصلح اليوم... قبل الأسف والندم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي