Author

التكرار الممل لعناوين المؤتمرات والندوات

|
[email protected] كم مرة رأيتم اسم مؤتمر أو ندوة يحتوي على الكلمات نفسها مثل مؤتمر كذا وكذا: الواقع والمأمول، أو التطلعات والتحديات، أو الآمال والطموحات، وما شابه ذلك؟ هل يظن القائمون على هذه المؤتمرات أن التعبير وهدف المؤتمر لا يتم إلا من خلاله، أم أن المفاهيم الأكاديمية تقولبت وأصبحت كليشيهات ثابتة لا يتم التعبير عنها إلا بتكرار الصور والكلمات نفسها. يبدو لي أن مثل هذه المؤتمرات تخالف الهدف الذي أوجدت له أصلا. لماذا تقام المؤتمرات والندوات الأكاديمية؟ إنها لا تقام لإعادة الحديث في أساسيات العلوم، أو أبجديات التخصص، أو اختلافاته الرئيسية التي يعرفها كل مختص. إنها لا تقام لمعرفة آخر ما نشر في مجال معين. إنها لا تقام لإعادة إنتاج أطروحات الماجستير والدكتوراة. إنها لا تقام لحفلات افتتاح باذخة. إنها لا تقام ليتبادل الأكاديميون دعوة واستضافة بعضهم على حساب جامعاتهم. إنها لا تقام لدعوة مشاهير (أو شبه مشاهير) الكتاب والمفكرين ليلقوا كلمات في بضع دقائق تتكرر في كل مؤتمر يدعون إليه. تقام المؤتمرات والندوات لمناقشة موضوع فرعي في تخصص دقيق لعلم معين، ويجتمع المختصون لمناقشة ذلك، وتبادل الآراء، والاستماع لوجهات النظر المختلفة حول هذا الموضوع. تقام المؤتمرات لتسليط الضوء على جانب مهمل في تخصص دقيق، أو تطبيق نظرية جديدة على موضوع محدد. لأوضح ما سبق، دعوني أسوق المثال التالي: لو أردنا عقد ندوة علمية "جيدة" حول الأدب العربي، على الطريقة الأكاديمية السليمة، فإن عناوين مثل: الأدب العربي بين الواقع والمأمول غير مقبول إطلاقاً، فهو شديد العمومية، ولا يشير العنوان إلى طبيعة الأبحاث المطروحة، وبناءً عليه فلن يحضره أي أكاديمي جاد لأن المؤتمر أو الندوة ستغرق في الأبحاث العمومية التي تشرح أبجديات الأدب العربي. ومثل ذلك عناوين مثل: أدب العصر العباسي، الشعر الأندلسي، أدب الرواية في القرن العشرين، الكتابة النسوية في الأدب العربي، كل هذه موضوعات عمومية لا تناقش قضية محددة في تخصص دقيق، فلماذا يجتمع الأكاديميون إذا؟ سيجتمع المشاركون ويتناول كل منهم موضوعاً مختلفاً، ويطرحون أبجديات التخصص التي لا تحتاج إلى مؤتمر أو ندوة، بل توجد في أي مدخل للتخصص، وتستعرض أوراقهم البحثية أبرز ما كتب أو قيل في هذه النقطة، دون إبراز رأيهم الشخصي، ولو برز هذا الرأي لكان تكراراً لآرائهم التي مازالوا يعيدونها في كل مؤتمر أو ندوة في العقود الأخيرة. العناوين المناسبة أكاديمياً تكون مثل: الصراع الاجتماعي في شعر المتنبي، أو المؤثرات الفارسية في المعلقات، أو تأثير الحروب الصليبية في أدب الشام في القرن الثالث عشر الميلادي، أو حرب الخليج الثانية وانطلاقة الرواية النسوية في الخليج العربي، وغير ذلك من الموضوعات المحددة التي تطرح وجهة نظر، ويمكن فيها طرح رؤى مختلفة جديدة، مما يشجع الباحثين على الحضور والمشاركة والاستفادة. بل قد تكون موضوعات الندوات أشد تحديداً مما سبق، كأن تكون تطبيقاً لنظرية على أعمال محددة، مثل: نظرية الهجين ما بعد الاستعمارية عند عبد الرحمن منيف، أو التضاد الثنائي في ثلاثية محفوظ: نحو منهج تفكيكي للرواية العربية، أو أثر نظرية الأدب في النقد العربي في ثمانييات القرن العشرين. وبهذا يصبح تكرار المؤتمرات والندوات مقبولاً لأن كل مؤتمر أو ندوة تبحث موضوعاً مختلفاً، ومن غير المتصور أن تتكرر الطروحات والمناقشات، كما أنه من غير المعقول تكرار أسماء المشاركين، بل إنه بهذه الطريقة يبرز باحثون وأكاديميون جدد نظراً لطروحاتهم غير المسبوقة. فهذه الندوات تغذي التجديد والابتكار في التفكير العلمي والطرح الأكاديمي، وهذا هو الهدف الحقيقي من إقامتها. ما يدعو للتكرار هو إيثار السلامة، والخوف من التجديد، ولا أريد أن أقول إن إقامة الندوات العلمية لها أهداف غير علمية، حيث أربأ بزملائي الأكاديميين عن الوقوع في هذا.
إنشرها