Author

هموم نائب وزير العمل المؤثرة في السعودة وتقنين الأجور الدنيا

|
في المقالة السابقة المنشورة في 13/4/2009م استعرضت بنظرة عامة مقالة نائب وزير العمل واهتمام المسؤولين في المملكة بواقع البطالة بأنه إحساس عظيم، لأن تنمية المورد البشري يعد من أولويات اهتمام قيادتنا الحكيمة ولا يحدث ذلك التطوير إلا إذا تناغمت عدة متغيرات مع بعضها بعضا، منها: التربية والتعليم، التدريب والاقتصاد، وأنظمة العمل ... إلخ، وواقع سوق العمل في المملكة في عدة مقالات سابقة وأفضلها مقال معالي نائب وزير العمل والمنشور في 3/3/2009م في جريدة "الاقتصادية" العدد 5622، حيث كان التحليل أشبه بجلسة استعراض شفاف عما نمر به من أزمات في عمل السعوديين في القطاع الخاص، وعندما سأل الدكتور فهد الشثري في 7/3/2009م في جريدة "الاقتصادية" العدد 5626 وزارة العمل عن وجود استراتيجية للتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى للحد من هذه الأنشطة الطفيلية التي تقتات على العمالة الرخيصة وعلى حساب المواطن، فإننا هنا نستعرض كيفية الإجابة عن أحد هذه الاستراتيجيات من منظور تدني الأجور. #2# ومقالة معالي النائب أعمق فقط من وضع هذا السؤال، لأنه تحليل لسوق العمل وإشكالات وزارة العمل في التعامل مع الموارد البشرية السعودية, وهذا التحليل عادة يسبق أي دراسة علمية، حيث تحدد المتغيرات الثابتة والمتغيرة، الذي هنا نستعرضه متغير الأجور كمتغير غير ثابت, وعند قراءة المقال علمت أن الطرح أكبر من فقط طرح تحديات السعودة بشكل تجريدي دون أن يكون موضوعيا، حيث إن كل من يعاصر العمل في السعودة أو الموارد البشرية في المنشآت يعي كل الوعي تلك الإرهاصات التي مررنا بها من سكرة طفرة السبعينيات, لذا ولنجعل الطرح علمياً حسب ما يعمل في أي بحث علمي (موضوعي) يتأتى بتسجيل جميع المتغيرات التي تؤثر في السعودة، التي طرحها معاليه ومن ثم يتم تشكيل فريق عمل محترف يعمل كل باحث أو باحثين على حدة في إجراء البحث على متغير واحد فقط وتكون مهمة رئيس الفريق التأكد من أن عمل الجميع يتسق مع متطلبات البحث النهائي على ألا تكون النتائج تجريدية، ولكن واقعية بخطة عمل لتحقيق كل توصية حسبما عُمل به في الخطة الاستراتيجية لوزارة العمل أو الوزارات الأخرى, ومن هذا المنطلق فإن أحد المتغيرات التي ذكرتها مقالة "هموم العمل والبطالة" هي الأجور، لذا سأتناول في هذا العرض فقط الأجور، وإن كان الحد الأدنى للأجور يعد عائقا في السعودة والاقتصاد, ومن منطلق هذا الموضوع فإن هناك عديدا من الأسئلة المطروحة عن هذا الموضوع تؤيد وضع حد أدنى للأجور من خلال الآتي: #3# 1. هل الحد الأدنى للأجور سيصبح الحل لمشكلة أجور السعوديين في القطاع الخاص؟ 2. هل ستزيد تحويلات العمالة غير السعودية وغير الماهرة إلى أربعة أضعاف عند وضع حد أدنى للأجور، خصوصاً في ظل اتفاقية منظمة التجارة العالمية؟ 3. هل تحديد الأجور هي مهمة الدولة (وزارة العمل) أم هي مهمة الجمعيات المهنية؟ 4. هل استغل القطاع الخاص تلك الفجوة في سوق العمل للحد من توظيف السعوديين؟ 5. هل سياسات التوطين سابقاً (في ثمانينيات القرن المنصرم) أسهمت في نجاح السعوديين، حيث كانت السعودة للمهن القيادية العليا التي تتسم بأجور عليا؟ 6. إن كان القرار بيد أحد أصحاب الصلاحية، فما أجور المهن المتعارف عليها الآن للسعوديين مثل رجل الأمن والسلامة والكاشير، وليس مديرا تنفيذيا أو مهندسا أو فنيا...؟ لذلك وللإجابة عن تلك الأسئلة يجب أولاً أن نعرف معنى الحد الأدنى للأجور، كما ذُكر في عديد من المرجعيات العلمية في أمريكا وبريطانيا وأيضاً موقع ويكبيديا الإلكتروني، حيث أشار أنه أدنى مبلغ مالي يتقاضاه كعامل في الساعة بحكم قانون الدولة أو المنشأة أو العرف الاجتماعي أو المهني, وقد تتحدد قيمة هذا المبلغ لتغطية أجور كل العمال أو مجموعة منهم يعملون في صناعات محددة, وقوانين الحد الأدنى للأجور في معظم الأحيان لا تغطي أجور الأشخاص الذين يعملون في حرف أو صناعة يملكونها أو الذين يعملون موظفين في الشركات والمصانع الصغيرة أو في بعض المهن التي تتسم بدخل إضافي أثناء تأدية مهام المهنة. ومن خلال البحث فإن تعريف الحد الأدنى للأجور يعد عرفا لقيمة الساعة وليس لقيمة الراتب الشهري, الذي يعد لغط الكثير من المتحدثين عن الحد الأدنى للأجور, ويوضع حد أدنى غير رسمي للأجور في بعض البلدان الأوروبية من خلال الاتفاقات المتبادلة بين الجمعيات والنقابات المهنية أو بين أصحاب الأعمال. وعندما أدلى معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي بتصريح للصحف قال فيه: "نرجو ألا يأتي يوم من الأيام لكي نضع حداً أدنى للأجور لأن الحد الأدنى حينما يأتي بقوة النظام يحسن أوضاع الموجودين ولكن لا يشجع على توظيف السعوديين". وأضاف إلى ذلك: "لو فرضت حداً أدنى عليهم (العمالة الوافدة) فإن الاقتصاد يصاب بصدمة نتيجة تحويلات غير السعوديين تلك المبالغ وأيضاً نتيجة ارتفاع أسعار السلع كنتيجة لارتفاع أجر العمالة". وعلى الصعيد الثقافي تمحورت الأجور مقابل الخدمات تاريخياً بناء على تقدير فيما بين حجم جهد السلعة أو المنتج والقدرة الشرائية للمجتمع لهذه الخدمة أو السلعة, لذلك عندما كلف سعر منتج خام مثل الخضراوات والفواكه غير المصنعة أو الحلويات مثل الشكولاته المصنعة من مواد خام اليوم, فالمبلغ المتفق عليه قد لا يكون المبلغ نفسه قبل 100 عام أو بعد عشرة أعوام, وبناء على ذلك هناك عدة متغيرات منها سعر تكلفة الخدمات المساندة لهذا المنتج والحدود الدنيا لتكلفة المعيشة أو نسبة التضخم في هذا البلد, فعلى سبيل المثال عندما يكلف بناء مبنى رياضي عام 2000 في مدينة كولومبس في ولاية أوهايو في الولايات المتحدة 110 ملايين دولار، فإن مشاريع بالحجم نفسه قد لا تكلف ربع هذا المبلغ في المملكة الآن, وهناك عدة أسباب منها المواصفات، ولكن أهم عامل هو تكلفة اليد العاملة, فعلى سبيل المثال عندما تكلف ساعة المقاولات ما يقارب 60 - 90 دولارا في الولايات المتحدة، أي ما يعادل 220 إلى 340 ريالا لليد العاملة دون المواد فإن أجر الساعة نفسها والمهمة قد تكلف 25 إلى 40 ريالا للساعة في المملكة, وطبعاً يختلف سعر الساعة من مهنة إلى أخرى ومن مدينة لأخرى. وعلى هذا الأساس حددت عديد من الدول الصناعية والتقنية حتى النامية مثل الأردن (211 دولارا بدلاً من 155 شهرياً) ولبنان (330 دولارا شهرياً). وفي الولايات المتحدة يصل الحد الأدنى للأجور للمهن نفسها 6.55 دولار للساعة وجار محاولة لإقرار قانون لرفع الحد إلى 7.40 دولار للساعة, وهناك ?? دولة أوروبية من ?? في الاتحاد الأوروبي تشمل ألمانيا، تعتمد منذ سنوات، قانوناً ينص على حد أدنى للأجور فيها. ولجأت ?? منها إلى رفعه خلال السنة الماضية، على خلفية التضخم الحاصل، كما أن ?? منها رفعت الحد الأدنى للأجور ابتداء من أول السنة الماضية، وبحسب عديد من الدراسات بلغ الحد الأدنى الوسطي للأجور في الدول الأوروبية الغربية 8.30 يورو للساعة وسجل 9.30 يورو في لوكسمبورج. وفي بريطانيا يتحسن الحد الأدنى للأجور باستمرار ليصبح 5.73 جنيه استرليني ابتداء من مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. فهل تحتاج الساعات الخدمية والإنتاجية حدا أدني للأجور، خصوصاً للمهن غير المهارية على سبيل المثال التحميل أو العمل في خدمات المطاعم مثل مطاعم الوجبات السريعة أو المندي أو الكبسة في المطاعم الشعبية؟ حقيقة في الولايات المتحدة وباقي دول أوروبا يتضح أنه كلما زادت المهنة مهارةًً وشقاء ارتفع الأجر، وكلما زادت المهنة تفكيراً وحساسية في القرارات المتخذة، التي قد تكلف أموالاً طائلة، يزيد الأجر, ولكن هناك فرق بين الحد الأدنى للأجور والأجور المتعارف عليها للمهن الفنية والحرفية, وليس هناك دولة في العالم لديها قانون لأجور المهن الحرفية والفنية أو الإدارية العليا، ولكن هناك عرف متفق عليه وهذا هو اللغط المغلوط فهمه بين الحد الأدنى للأجور وأجور العمالة الفنية والمهنية. فما فائدة الحد الأدنى للأجور في المملكة؟ وهل هو ما نريده لأولادنا؟ في ظل وجود قانون الحد الأدنى للتسجيل في التأمينات الاجتماعية 1500 ريال شهرياً، أي ما يقارب ثمانية ريالات للساعة, وفي ظل عدم وجود أجور متعارف عليها للمهن الأكثر تعاملاً في المجتمع مثل الكاشير والسكرتير والميكانيكي والمحاسب والمسوق والبائع والبنّا والنجار والحداد والخياط، نظرا إما لعدم وجود جمعيات مهنية أو في ظل محدودية عمل الحالي منها ترسم إطارا استرشاديا لأجور المهن حسب مستوياتها وحسب مهارتها, لذلك فمن المستحيل أن يتم سعودة مهن صغيرة شاقة في ظل أجر ثمانية ريالات للساعة، والأسوأ إن كانت المهنة والخدمة لا تقدم هذا المبلغ، في ظل عمالة رضيت بأجر أقل من 760 ريالا شهرياً، الذي يعد مستوى الكفاف في السعودية حسب دراسة سابقة عام 2006, لذا فمن وجهة نظري يجب أن نشخص الوضع الحالي مثل ما كتب، إما من معالي نائب وزير العمل وإما من خلال الممارسات والخبرات التي اكتسبناها ونقارنها بالدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار لنعتبر منها الآتي: أولاً: البيانات المالية لدخل الفرد ومتوسطه حسب التعليم وحسب المهن: تحديد الحد الأدنى لدخل الفرد الذي في ضوئه يؤثر في سعر السلع أو الخدمات، التي تعد المهمة الأكثر صعوبة في سلسلة الإجراءات التي يجب اتخاذها لتأكيد عملية التوزيع الصحيح، بمعنى أن إيجاد قاعدة بيانات جميع سكان المملكة من حيث الدخل الأوّلي أصبح اليوم أسهل بكثير استناداً إلى بيانات شركة سمة للمعلومات الائتمانية، التي تعد نقلة نوعية في سبيل إيجاد مرجعية معلوماتية دقيقة تعكس الواقع المر الذي يعيشه المواطن من ناحية أحجام القروض التي يتحملها. وكما نعلم فإن طلبات القروض تحتوي على معلومات دقيقة يقدمها المقترضون في سبيل الحصول على قروض أو تقسيط، ولعل الأخبار التي تطالعنا بها "سمة" بين الحين والآخر تؤكد وجود أساس قوي لمعلومات تفيد في تحديد دخل الفرد الحقيقي في المملكة، وأقترح كما اقترحه بعض الباحثين ضرورة بناء الحد الأدنى للأجر على هذا الأساس وأي منشأة أو إدارة وطنية حكومية تهتم بمتابعة دخول الأفراد بشكل عام لتعطي تصوراً واضحاً للوضع العام المعيشي للمواطنين, ومعرفة الدخل الحقيقي للأفراد يقودنا إلى فوائد أخرى لها علاقة بالشفافية، ما يجعل إيجاد جهة حكومية تهتم بدخل الأفراد حاجة ملحة لضمان العدالة في أوساط الاقتصاد، ناهيك عن بيانات مهمة تتعلق بتحديد أجور المهن الموجود لها بيانات. ثانياً: الصدمة الاجتماعية الاقتصادية: إن سن حد أدنى للأجور سيصيب المجتمع وعديد من أصحاب القرار الاقتصادي السياسي بموجة عكسية لمعارضة القرار أو تنفيذه، فمن الواجب عدم البت في مثل هذا القرار دون إشراك واضح بين المواطنين وملاك المنشآت في حوارات وطنية صغيرة الحجم لإيجاد أرضية صلبة عند التنفيذ ومناقشته في مجلس الشورى فيما بين ملاك المنشآت وبعض أعضاء المجلس المهتمين للتصويت عليه، على أن يكون النقاش معروضا على شاشات التلفاز للعامة لإشراكهم في التأثير في القطاع الخاص وملاكه, وهذا المبدأ متبع كثيراً في عديد من الدول الكبرى قبل اتخاذ قرار وطني به تغيير جذري لتعاملات المواطنين مع قرارات مهمة. ثالثاً: تأسيس عمل لجان المجتمع لمساندة قرارات الحد الأدنى للأجور: البدء بتأسيس جمعيات مهنية وحث الحالي منها لبحث متوسط أجور المهني حسب مستوياتها من خلال منح بحثية مقدمة من الإدارة الحكومية المقترحة في أولاً، على أن تحدد قيمة أجور المهن الدنيا (محدودة أو معدومة المهارة) بالساعة وليس شهرياً، مع وضع إطار عام لكيفية حساب أجر كل مهنة حسب كل منطقة إدارية، نظراً لاختلاف مستوى المعيشة، مع وضع جميع الاستثناءات للمهن ذات الدخل الإضافي أثناء تأدية المهمة مثل مقدمي الطعام من خلال استبيان تدخل بياناته المنشأة وتكون بياناته محددة حساب كل عنصر تجمع في النهاية لتحديد الأجر، الذي يعد للاسترشاد في كيفية تحديد الأجر للمهن التي تعلو عن الحد الأدنى، أي متوسطة المهارة. رابعاً: البدء في تطبيق المبدأ: تحديد الحد الأدنى للأجور للمهن الدنيا للوظائف المشغولة مؤقتاً وبنظام العمل الجزئي الأسبوعي أو اليومي وليس التعاقدي الكامل شهرياً مع تأطير قانون يحظر عمل الوافدين في المهن بهذا النظام، نظراً لأن الاستقدام يحافظ على العمالة الأجنبية والعربية من التشويه ودخلهم أن يكون ثابتاً شهرياً, مع حث عديد من المنشآت البيعية على اتباع نظام العمل الجزئي في المواسم واحتسابه ضمن إطار محدد لمساعدتهم في نسب السعودة من خلال بيانات عدد الساعات المشتغلة التي ممكن أن يستفاد من التأمينات الاجتماعية في هذا الجانب, وهذا يخرج وزارة العمل والدولة من حرج التفرقة بين المواطن والوافد وفق الاتفاقيات الدولية لمنظمة التجارة العالمية. وفي نهاية هذا الطرح نرجع إلى أول سؤال: إن كان هذا هو حل لمشكلة السعودة، فالجواب نعم في جزئية أجور المهن، لأن هذا التدريج المقترح يؤدي إلى مضي المنشآت في تقنين أجورهم، خصوصاً لحديثي الدخول في العمل في القطاع الخاص، وفق أسلوب تدريجي لعدم إصابة المجتمع بصدمة, ومن خلال هذا الطرح فقد يظهر التأييد الواضح لهذا الطرح، ولكن وفق تقنين عملي وعلمي وليس عشوائي غير مقنن التنفيذ، والله الموفق. أمين عام المجلس الاستشاري للتدريب في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني
إنشرها