Author

هموم نائب وزير العمل .. ظواهر محلية أم عالمية؟

|
يعد اهتمام المسؤولين في المملكة بواقع البطالة إحساسا أعظم في كثير من الأحيان, وخصوصاً إذا كان هذا المسؤول يقبع على أكثر المواقع حساسية وهي تنمية المورد البشري, لأن تأمين الفرص الوظيفية لمواطني أي بلد لا يحدث إلا إذا تناغمت عدة متغيرات مع بعضها بعضا، ومنها التربية والاقتصاد والتعليم... إلخ. وإحساس أي مسؤول بعظم تنامي البطالة لا يحدث إلا لأنها ستمس أبناءه وأقرباءه مستقبلا وستؤثر في الأجيال المقبلة, وواقع سوق العمل في المملكة جُرّد بمقالة نائب وزير العمل بتاريخ 6/3/1430هـ الموافق 3/3/2009 في جريدة "الاقتصادية" عدد 5622، حيث كان التحليل أشبه بجلسة استعراض شفاف عما نمر به من أزمات في عمل السعوديين في القطاع الخاص والذي ذكرني بمقولة والدي عندما كان يتحدث مع صديق له في أوائل السبعينيات في المنطقة الشرقية قائلا: لماذا عملت في الحكومة وأنت لست بكسلان أو جاهل وفهمت في وقتها أن من يعمل في الوظائف الحكومية الدنيا أو المتوسطة ـ كما هو متعارف عليه في ذلك الوقت ـ هو من لا يعرف أي مهنة أو صنعة أو كسلان, وسبحانه الخالق في انقلاب الموازين, ومقالة النائب شاملة مما جعل الكاتب الدكتور فهد الشثري في 10/3/1430هـ الموافق 7/3/2009م في جريدة "الاقتصادية" عدد 5626 يسأل وزارة العمل عن وجود استراتيجية للتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى للحد من هذه الأنشطة الطفيلية التي تقتات على العمالة الرخيصة وعلى حساب المواطن؟ ولكن يا معالي النائب ويا سعادة الدكتور فهد ويا حضرات القراء إن مشكلة المواطن الذي يقتات على فتات العمالة الرخيصة بأنشطة طفيلية أو عمالة سائبة في البلد تعمل وتنافس المواطن بأرخص وأزهد الأجور ليست بمشكلة تحدث في المملكة فحسب بل في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة التي تعد قائدة الاقتصاد والنمو والتكنولوجيا في العالم, وأثناء زيارتي القريبة للولايات المتحدة شاهدت في الولايات الجنوبية ظاهرة لم أكن في حياتي أتوقع أن أشاهدها في أمريكا بوجود عمالة غير نظامية مكسيكية تصطف على ردهات الطرق أو في محطات البنزين بانتظار من يقلهم إلى العمل, ومن هنا بدأت بالتطلع في تلك الظاهرة التي لربما كانت إقليمية في ولاية واحدة فقط، ولكن إفادات المواطنين البيض أفادت أن تلك الظاهرة في معظم الولايات الجنوبية حتى في كاليفورنيا وهنا لاحظت تدني أسعار الخدمات التي تعتمد على اليد العاملة مثل البناء أو إصلاح السيارات أو غسيلها, فعلى سبيل المثال تكلفة ساعة ميكانيكي السيارات بلغت نحو 60 دولارا عام 2001 في الولايات الشمالية في الولايات المتحدة أي ما يقارب 225 ريالا ومع التضخم السنوي وارتفاع الأسعار فإن تكلفة الساعة يجب أن تزيد إلى أكثر من 75 دولارا أي ما يقارب 270 ريالا، ولكن في الولايات الجنوبية فإن الأسعار الآن (عام 2009) تبلغ 35 دولارا (130 ريالا) للعمالة النظامية الأجنبية (المكسيكية على سبيل المثال) وتقل لتصل إلى عشرة دولارات (37 ريالا) للعمالة غير النظامية, وبالطبع كان هذا أفضل لي ولغيري من المستفيدين من تلك الخدمات ولكن تبعات تلك الظاهرة أبعد من استفادتي الشخصية على اقتصاد المنطقة لأنها تُنفّر المواطن من الانخراط في العمل في تلك المهن وإظهار ظاهرة الإسقاط تجاه كل من يعمل في تلك المهن من المواطنين. ومن المعروف أن الولايات الجنوبية في تاريخ الولايات المتحدة تعتمد اعتمادا كبيرا على العمالة اليدوية سواء للزراعة أو لاستخراج النفط في أوائل القرن الماضي وبعد ميكنة الأعمال اليدوية, يجب أن تتلاشى تلك الظاهرة, وهناك أصوات تنادي بميكنة الأعمال اليدوية في المملكة لتصبح مهنا تكنولوجية ونوعية بدلا من الرخيصة ولكن تلك الميكنة والتكنولوجيا لم تلغ العمالة غير النظامية التي تقتات بالفتات وتضر بالاقتصاد, ومن خلال قيادتي للسيارة في عدة أماكن يمر بها المقاولون والمزارعون شاهدت بعيني وقوف العشرات من العمالة المكسيكية غير النظامية في انتظار أن يقلهم أحد المقاولين للقيام بأعمال يدوية شاقة، والأدهى من ذلك وقوفهم في محطات البنزين بانتظار أن يدخل المحطة أحد المقاولين بعربته النقل ذات الدفع الرباعي, والغريب في الأمر أنه حتى المقاولين يعرفون أين يجدون تلك العمالة غير النظامية, أيضاً الغريب من الأمر أن تلك العمالة تبدأ بالتحرك لأي سيارة نصف نقل يظهر فيها ملامح العدد والسلالم والاتساخ الطيني ويقودها أمريكي أبيض فيبدؤون بالتحرك لها ليسمعوا ماذا يريد ذلك المقاول من خدمات. وخلال سماعي لمشاهدات من يجلسون في القهوة الصباحية التي اعتدت فيها احتساء قهوتي والعمل على أبحاثي, كنت أتحدث مع المرتادين الدائمين للقهوة فأحدهم أشار إلى وجود مواطنين يقتاتون على تلك العمالة من خلال تسليمهم محال متهالكة ليبدؤوا نشاطاتهم مثل إصلاح السيارات في مدينة دالاس المدينة التي يسكن فيها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش, وطبعا تلك الظاهرة ذكرتني بمحال إصلاح السيارات الصغيرة التي توجد في الصناعية في الرياض وتتسم محال تلك المدينة بالاتساخ وتفتقر إلى أقل وسائل السلامة والتي تتسم أيضاً برخص الأسعار ومقارنة بالولايات الشمالية فإن تلك المحال تلاشت في التسعينيات بغزو المحال المنمطة والفرانشايز التي تتسم بالنظافة والتعامل مع العميل على أنه محور العمل وأيضاً وجود صالة انتظار للعميل مزودة بكراسي وكنبات فخمة وبمكائن القهوة والشاي وبعضها يشمل صالة ألعاب أطفال, وبالطبع تلك الخدمات تزيد من الأسعار ولكن مقارنة بالمملكة وبأمريكا فإن تلك الظاهرة تشبه بعضها بعضا، حيث إن معظم الطفيليين في الدولتين يُشغّلون تلك المحال الرثة ذات الخدمات المتواضعة أو التي تخرّب أكثر مما تُصلح والتي شاهدتها في أمريكا. لذا يا نائب الوزير إن ظاهرة العمالة السائبة والرخيصة والأنشطة الطفيلية ليست في المملكة وحدها ولكن في دولة رائدة في الاقتصاد العالمي, وهمومك ليست لمشكلة معضلة ولكن عالمية والتفكير في حلول أو استراتيجيات لن يحدث إلا بتضافر جهود جميع الوزارات والدول ذات العلاقة لأن عولمة الاقتصاد وتوحيد أنظمة التجارة العالمية واتساع شق الدول الفقيرة من الغنية بدأت تُبلور وتُعولم ظاهرة الأنشطة الطفيلية ومهما فعلنا أو سننّا من قوانين تُجرّم المخالفين لتلك الأنظمة فسيكون هناك من يتلذذ ويقتات على تلك المخالفات ولا نقول إلا أن يمد الله عونه لك وللوزير في تلك المسؤولية والله يوفقكم.
إنشرها