دراسات جدوى .. بلا جدوى!

لن تخطئ عيناك الكآبة التي اصطبغ بها وجه رجل الأعمال أ.س. بسبب خسارته الكبيرة في مشروعه الأخير.. قلت له مواسيا: التجارة ربح وخسارة.. ثم سألته معقبا: ولكنك على حدّ علمي قمت بعمل دراسة جدوى للمشروع.. فما الذي حدث معك؟. قال غاضبا: ما خسرنا إلا بسبب دراسة الجدوى.. لأنه أصلا ما منها جدوى؟!
ثمّ استطرد موضحا: حصلت على دراسة جدوى من أحد المكاتب المتخصصة في الاستشارات، وبعد نقاش وتعديلات وترتيبات حاولنا أن نستفيد من الدراسة بشكل صحيح.. إلا أننا فوجئنا بأنّ تكلفة المشروع الفعلية زادت مرة ونصف ضعف المبلغ المحدد في الدارسة، وقد كنا مقترضين أصلا قرابة 50 في المائة من تكلفة المشروع وفق الدراسة.. لذا لم نستطع الاقتراض أكثر.. ولم نستطع إكمال المشروع.. ولا حتى استطعنا نرجع فلوس الدراسة.
إذا أردت عمل دراسة جدوى مجدية حقاً تذكر أن كلّ مشروع جديد يتمّ عرضه غالبا في إطار من التفاؤل والتسهيل خاصة في مرحلة دراسة الجدوى المالية، وقد أثبتت حالات عديدة في سلسلة أبحاث استقصائية أجرتها مؤسسة Rand أنّ تكاليف الإنشاء الفعلية بلغت ضِعفي التكلفة المتوقعة في دراسة الجدوى لمصانع بتروكيماويات شملتها دراسة خاصة. أضف إلى ذلك أن معظم دراسات المشاريع الجديدة تُهمل عمدا أو سهوا النشاط المنافس وتُقلّل من شأنه بشكل يتنافى مع المعايير المهنية.
احذر أن تجري دراستك عند مكتب استشاري لم يسبقْ له إجراء دراسات جدوى في النوع نفسه من المشاريع حتى لا تكون أنت كبش الفداء.. واحذر من الدراسات المكررة التي تتغير فيها فقط بعض الأرقام.. وعليك أن تتذكر نصيحة الشيخ سليمان الراجحي: إذا كان عند مائة، فلا تكن كأغلب الناس ممن يبدأ بمشروع يكلفهم أكثر من مائة بحيث يقترضون الفرق.. بل ابدأ بمشروع يكلفك فقط خمسين حتى تكون جاهزة للأمور غير المتوقعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي