"ابكوا".. معنا!!

صار لزاما على مذيعي نشرات الأخبار أن يغيروا عبارتهم الشهيرة التي يرددونها دائما قبل كل فاصل إعلاني من: " ابقوا معنا" إلى.. "ابكوا معنا"، ذلك لأن (كل) الأخبار التي يقدمونها تدعوك للبكاء، وتحرمك من البقاء على ( قيد الإعلان).
فهل ما فعلته إسرائيل من هجمات على غزة، وأجساد الأطفال والشيوخ والأبرياء الممزقة، والتشرد والجوع وانتظار ما يسد الرمق على أبواب (الأونروا) يدعوك إلى البقاء أم البكاء؟
هل تلك الصواريخ التي ظلت إسرائيل تقذفها على رؤوس الأطفال والصواريخ والأسلحة المحرمة دوليا تدعوك إلى الصمت أم الصراخ؟
هل ما يحدث في الصومال من تقسيم البلاد على عصابات وقراصنة مما يتسبب في تجويع الأهالي وتدخلات القوى الأجنبية مدعاة للضحك أم البكاء الحاد لما وصلت إليه الحال؟
هل ما قامت به الطائرات دون طيار أو بطيار في أفغانستان وباكستان من قتل للمدنيين دون ذنب اقترفوه يقدمك لغير البكاء، ويدعوك للاستجابة لنداء "ابكوا معنا" وليس "ابقوا معنا"؟
كل شيء يبكي في هذا الكون المتشح بالسواد واللون الأحمر.. كل شيء ينتحب: الإنسان والجماد وكل شيء على ما اقترفته يد الإنسان في حق الإنسان والحجر والصخر.
لا شيء يدعوك للابتسام إلا ضحكات وتبسمات الأطفال من حولك، ولا ننسى أن البعض اغتال ضحك الأطفال سواء بالعنف المحلي أو الدولي.
سنبقى وسنبكي استجابة لنداءات مذيعي الأخبار وعشاق الأحبار، ولن يكون باستطاعتنا حتى البقاء بين الضحك والبكاء طالما أن نشرات الأخبار تمتلئ بلون الدم وتبتعد عن الألوان البيضاء وتطرد حمائم السلام من كل مكان.
لماذا لا تفكر بعض القنوات في بث نشرات إخبارية (بيضاء) ليس فيها ما يعكر جوك ويملأ يومك بالكدر والقلق ويهديك لقمة سائغة إلى الحزن؟ لماذا لا نعيش ولو يوما واحدا بلا دم في كل مكان وبلا قتل وتدمير في كل مكان؟
إن بث نشرات إخبارية خالية من العنف ستقدم لنا جيلا خاليا من المنغصات النفسية والهم والقلق.
ولا أعتقد أن المسؤولين عن بعض القنوات عاجزون عن الإتيان بأخبار سعيدة، فهناك في كل مكان سعادة من نوع ما نتمنى أن نراها عبر نشرات إخبارية خاصة بها.
ضعوا أخبار القتل والدمار في نشرة معينة، وأخبار الفرح في أخرى، ودعوا المشاهد يذهب لما يريد.
عندها.. ستتغير "ابكوا معنا" إلى.. "ابتسموا معنا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي